Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
حجية التسجيل الصوتي في الإثبات الجنائي في القانون العراقي :
المؤلف
حـمــيد، حــــلا مـحــمــود.
هيئة الاعداد
باحث / حــــلا مـحــمــود حـمــيد
مشرف / إبراهيم عيد نايل
مشرف / مصطفى فهمي الجوهري
مناقش / جميل عبدالباقي الصغير
مناقش / خالد صفوت بهنساوي
الموضوع
القانون الجنائي.
تاريخ النشر
2023.
عدد الصفحات
742ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
قانون
تاريخ الإجازة
1/1/2023
مكان الإجازة
جامعة عين شمس - كلية الحقوق - قسم القانون الجنائي
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 551

from 551

المستخلص

الملخص
أن من أهم مستلزمات تحقيق العدالة في القضايا الجنائية موضوع الأدلة حيث يعد الدليل هو الركيزة الأساسية التي ترتكز عليها الدعوى الجنائية، ويستقي القاضي الجنائي من خلاله قناعته عند إصداره الحكم، إذ إن العدالة تدعو القاضي أن لا يسير وراء عواطفه بل يجب أن تترك له الحرية الكافية لتقييم الدليل والاعتماد عليه كأساس صالح في الدعوى المعروضة أمامه.
إن الإثبات لا يمكن فصله عن الحكم القضائي حيث يعد الإثبات الوسيلة التي تمكن القاضي من إصدار حكم مناسب وعادل يناسب الأدلة والقرائن المعروضة أمامه، بل أنه روح هذا الحكم وجوهره، وبالرغم من وجود صلة بين الإثبات والدليل فإنه لا يمكن تصور تطابق بينهما باعتبار أن الدليل هو الواقعة التي يستخدمها القاضي للبرهان على إثبات اقتناعه بالحكم الذي ينتهي إليه فهو المحصلة النهائية لكل مراحل الإثبات المختلفة، ومن ثم فإن مصطلح الإثبات أعم وأشمل من كلمة الدليل.
وأن القاعدة العامة التي تحكم الإثبات هي أن عبء الإثبات يقع على المدعي فكل من يدعى خلاف الأصل الثابت يجب عليه أن يثبت عكسها، فعلى المدعي إذن تقديم ما لديه من دليل على الواقعة المراد إثباتها، والقاضي غير ملزم وهو بصدد نظر الدعوى بتوجيه المدعي وتكليفه إثبات دعواه أو تقديم المستندات الدالة عليه. وهذه القاعدة إذا كانت تحكم الدعوى المدنية فهي من باب أولى تنطبق على الدعوى الجنائية، أيضًا على اعتبار أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم بات ونهائي.
وتعد مرحلة التحقيق الابتدائي من أهم وأخطر مراحل الدعوى الجنائية لما لها من تأثير في المرحلة التالية وهي مرحلة المحاكمة( ).
ويمكن اللجوء إلى التسجيل الصوتي في مرحلة التحقيق إلا أنه من الإجراءات الاستثنائية الخطيرة التي تشكل اعتداء على حق الأفراد في سرية أحاديثهم الشخصية ومحادثاتهم التليفونية، وهذا الحق يعد عنصرًا من العناصر التي تمثل انعكاسًا للحق في حرمة الحياة الخاصة، إذ يلجأ المتحدث إلى غيره في تبادل الأسرار وبسط الأفكار الشخصية دون خوف أو حرج من سماع الغير، معتقدًا أنه في مأمن من فضول استراق السمع وعليه يتم الحديث دون حيطة أو حذر بعيدًا عن شبهات التسجيل والتنصت من هنا يتبين أن حرمة الأحاديث الشخصية والمحادثات التليفونية تستمد من حرمة الحياة الخاصة لصاحبها، والتي تعني حق الفرد في أن يكون بمأمن من التدخل في أحاديثه الشخصية، ومحادثاته التليفونية لمعرفة أسراره الخاصة به والحق في حرمة الحياة الخاصة من أهم الحقوق التي حرصت الدساتير الحديثة والقوانين الوطنية على حمايتها، وهو وثيق الصلة بكرامة الإنسان وفي أن يظل أمنًا ومطمئنًا إلى أن الجدران التي تحيط به لن تخرقه أو تقتحمه عيون ترصد ما يدور داخلها، وبالتالي لم يكن إغفال النص على هذا الحق في بعض الدساتير حاجبًا أو مانعًا من تقريره. فقد أصبح هذا الحق مكفولاً تساندًا على بعض الحقوق التي نص عليها الدستور كسرية الرسائل البريدية والبرقية والتليفونية. فلا يكون هذا الحق غير فيض للحقوق التي نص عليها الدستور وكفل حمايتها، وبالتالي لا يجوز تسجيل الأحاديث الشخصية والتنصت على المحادثات التليفونية دون رضا صاحب الشأن خصوصًا أن التطور التكنولوجي ساهم بابتكار أجهزة دقيقة ذات قدرة عالية على التسجيل والتنصت وهي تزداد في دقتها وقدرتها، وتتضاءل في حجمها وأشكالها يومًا بعد يوم مما جعلها تشكل تهديدًا خطيرًا على حق الفرد في سرية أحاديثه الشخصية ومحادثاته التليفونية لذلك لابد من أن يكفل القانون حماية لهذا الحق، وتجريم كل فعل يشكل اعتداءً عليه، فالحق بدون حماية لا قيمة له، فالحق يستمد قوته وقيمته من مقدار الحماية التي يكفلها القانون له.
هذا من جانب ومن جانب آخر ينبغي أن لا نتجاهل مساهمة التطور التكنولوجي في تسهيل وتطوير ارتكاب العديد من الجرائم الخطيرة كجرائم المخدرات والجرائم المنظمة العابرة للحدود وجرائم الإرهاب فكلها جرائم من الصعب كشفها دون المساس بحق الفرد في سرية أحاديثه الشخصية، ومحادثاته التليفونية وهذا الحق كأي حق خاص ليس حق مطلق بل مقيد بالمصلحة العامة في إظهار الحقيقة بصدد الجريمة التي وقعت وكفالة حق الدولة في معاقبة الجاني، ومن ثم يتعين على المشرع بهذا الشأن إجراء موازنة دقيقة بين المصلحة العامة (إنزال العقاب على الجاني من أجل المحافظة على أمن واستقرار المجتمع) والمصلحة الخاصة (الحفاظ على حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية) وإدراك التوازن بين هاتين المصلحتين من أصعب المشاكل التي تواجه النظم الإجرائية المعاصرة إذ يتطلب التوفيق بين اعتبارات تبدو متعارضة فبينما تتطلب المصلحة العامة إنزال العقاب على جميع المجرمين بما يستوجب أن تكون قواعد الإجراءات الجنائية صارمة لا يفلت منها مجرم فإن متطلبات حماية حق الأفراد في سرية أحاديثهم الشخصية ومحادثاتهم التليفونية عملاً بقرينة البراءة ترفض الاعتماد على الإجراءات الجنائية الصارمة خوفًا من أخذ الأبرياء بذنب الأشرار على نحو ينبغي معه أن تكون قواعد الإجراءات الجنائية سياجًا لحقوق الأفراد وحرياتهم. ويتوقف نجاح النظام الإجرائي وفعاليته على مدى قدرته على التوفيق بين هذه الاعتبارات المتعارضة فلا يدان بريء ولا يفلت مذنب، ونعتقد أن هذا التوازن يتحقق بتقرير مشروعية التسجيل الصوتي والتنصت على المحادثات التليفونية بصورة استثنائية (على اعتبار أن وسائل الإثبات التقليدية قد فشلت أو ليس بإمكانها الحصول على دليل الإثبات المطلوب وأن التسجيل الصوتي يساعد في إظهار الحقيقة).
وبموجب قانون يعمل جاهدًا على تحقيق التوازن بين المصلحة العامة والخاصة من خلاله تحديده بشكل واضح وصريح الحالات التي يجوز بشأنها اللجوء إلى التسجيل الصوتي إذ لا يجوز اللجوء إليه، إلا في حدود ضيقة مع إخضاع هذا الإجراء لضوابط معينة تحول دون التعسف في استخدامه، وتتمثل هذه الضوابط بضرورة إصدار إذن من جهة قضائية وأن يكون الإذن مكتوبًا ومسببًا ومحددًا بمدة معينة، وأن يقتصر التسجيل الصوتي على الجرائم الخطيرة وأن تكون الغاية من إصدار الإذن هي إظهار الحقيقة في الجريمة المرتكبة، وأن تتوافر دلائل كافية لنسبتها لشخص معين وأن يتم تنفيذ الإذن على نحو يوفر الضمانات اللازمة للخاضعين له، وأن تراعى فيه حقوق الدفاع مع ضرورة وجود رقابة لاحقة على صدور الإذن أو تنفيذه، للتأكد من مدى مطابقته للقانون. وبالتالي يتعين وضع حدود لسلطة القاضي الجنائي في قبول الأدلة لكي لا تنحصر مهمته في مجرد إثبات حق الدولة في العقاب، بغض النظر عن احترام الضوابط والضمانات التي يتطلبها القانون حفاظًا على حقوق المتهم وحرياته، بوصفه بريئًا حتى تثبت إدانته بصدور حكم بات.
وقد تطرأ على الدولة ظروف استثنائية من شأنها تهديد كيان الدولة وأمنها لذلك يسلم الفقه بأن اعتبارات حماية الدولة تعلو على حق القانون بشرط أن يكون لهذا التهديد أسبابه الجدية، وهذه الظروف قد تكون خارج الدولة كحدوث حرب أو انتشار وباء معين، وقد تكون من داخل الدولة كحدوث أزمة اقتصادية أو سياسية أو انقلاب. وفي ظل الظروف الاستثنائية تكون القيود على حقوق الأفراد وحرياتهم أوسع نطاقًا مما تتضمنه الإجراءات الجنائية في ظل الشرعية الإجرائية في الظروف العادية، ولم يشأ المشرع أن يضحي بحق المتهم في الدفاع عن نفسه فلقد استثنى المحادثات المتبادلة بين المتهم ومحاميه من التسجيل والتنصت عليها متى تعلقت بممارسة المتهم لحق الدفاع؛ إذ لا يجوز قانونًا أن يأمر قاضي التحقيق بالتنصت على المحادثات التليفونية بين المتهم ومحاميه.
وبالرغم من أن الأصل رضا المجني عليه لا يلعب دورًا في إطار التجريم وما ذلك إلا لأن القانون الجنائي يحمي مصالح المجتمع، إلا أن هناك حالات رأى فيها المشرع أن لإرادة المجني عليه أثرًا من حيث إباحة الجريمة. وأساس هذه الإباحة يكمن في أن الاعتداء ينصب على مصالح خاصة مما لا يضر المجتمع في شيء لو سمح للفرد بحرية التصرف فيه، ولما كان الحق في سرية الأحاديث الشخصية والمحادثات التليفونية هو من حقوق الفرد إذ إنه شرع لمصلحته، ومن ثم جاز له التنازل عنه للغير ويعد هذا التنازل رضا منه بالوقوف على مضمون أحاديثه الشخصية ومحادثاته التليفونية.
ويجب أن تحاط إجراءات البحث عن الأدلة بضوابط وضمانات يترتب على مخالفتها جزاءات تجعل من هذه الضوابط والضمانات مانعًا يقي المتهم من الاعتداء على حقوقه وحرياته، أو اتخاذ أي إجراء يمس بسرية أحاديثه الشخصية ومحادثاته التليفونية. وتختلف هذه الجزاءات باختلاف مصدرها؛ فقد يكون مصدرها قانون العقوبات في صورة جزاءات عقابية نتيجة للتصرفات غير القانونية التي تتجاوز حدود صلاحيات سلطة التحقيق أثناء أدائها لواجبها إذا نتج عنه جريمة ما، وقد يكون مصدرها قانون الإجراءات الجنائية ويتمثل الجزاء بحرمان من باشر الإجراء المعيب ترتيب الأثر القانوني له، حيث إن مباشرة الإجراء خلافًا لما تنص عليه القاعدة الإجرائية يبطل الإجراء ويهدر الدليل المتحصل عنه، وإلى جانب الجزاءين العقابي والإجرائي يقف الجزاء التأديبي الذي تفرضه السلطة الإدارية التابع لها الموظف العمومي عما يقع منه من مخالفات أثناء تأديته لواجباته الوظيفية. وبذلك يجب أن تتوفر الحماية الجنائية الموضوعية والإجرائية للأحاديث الشخصية والمحادثات التليفونية، فالأصل لا يجوز تسجيلها أو التنصت عليها إلا إذا استلزمت مصلحة التحقيق ذلك، فإنها تكون مصلحة أولى بالرعاية من الحفاظ على أسرار هذه الأحاديث والمحادثات.