Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الأطر اللغوية وتأثيرها على موضوعية الكيانات المجردة
فى فلسفة رودلف كارناب /
المؤلف
عبد الحليم، إيمان رجب احمد.
هيئة الاعداد
باحث / إيمان رجب احمد عبد الحليم
مشرف / يمنى طريف الخولى
مشرف / محمد علي المسبكاوى
مناقش / محمد علي المسبكاوى
الموضوع
فلسفة رودلف كارناب
تاريخ النشر
2023
عدد الصفحات
256 ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
فلسفة
تاريخ الإجازة
11/1/2023
مكان الإجازة
جامعة الفيوم - كلية الاداب - الفلسفة
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

المستخلص

لقد لعبت الموضوعية دوراً جوهرياً في تاريخ تطور العلوم ، وبالرغم من ذلك فإن مصادرها أصبحت موضوعاً لنقد شديد في فلسفة العلم المعاصرة. ورداً على هذه الانتقادات من وجهة النظر التقليدية في موضوعية العلم تم تقديم الدفاعات المختلفة على يد فيلسوفنا ”رودلف كارناب” وذلك من خلال إعادة تقديم مفهوم للموضوعية بناءً على مفهوم الأطر اللغوية .
هذا وقد كانت الموضوعية الكلاسيكية -وفقاً للوضعيين المنطقيين- تتمثل في الاستخدام السليم للمنهج العلمي ، وتكون كلية وثابتة. فالعلم وفقاً لهم لا يتعامل إلا مع الكيانات التي يمكن ملاحظتها، أما الكيانات التى لا يمكن ملاحظتها ولا يمكن التحقق منها تجريبياً فهي بلا معنى؛ حيث تتحدد حقيقة أو زيف العبارة العلمية من خلال طريقة التحقق منها .
وبناءً عليه كان مبدأ التحقق من أهم المبادئ التى قامت عليها الوضعية المنطقية بوجه عام وفلسفة كارناب – الذى حاول حل المشكلات التى لازمت حلقة فيينا فى بحثها عن اللغة والتحقق - بوجه خاص ، فهو الذى يميز بين ما له معنى وما لا معنى له من القضايا ، كما أنه يحدد صدقها أو كذبها على سبيل المثال : إذا كانت الإلكترونات لا يمكن ملاحظتها من حيث المبدأ، فإن العبارات التي تظهر فيها لا معنى لها في العلم.
وفى هذا المقام، كانت الفيزياء الكلاسيكية هي المعقل الأساسي للموضوعية التقليدية ، فالملاحظة والتجربة يعنيان الاتصال المباشر بالواقع واستقراءه ، حيث أن الواقع هو الذي يؤيد أو يفند النظرية ، ثم بعد ذلك أتت الفيزياء المعاصرة أى فيزياء النسبية والكوانتم لترسم واقعاً جديداً وموضوعية جديدة .
وهنا تعرضت الموضوعية الكلاسيكية للنقد ؛ وذلك لأن التقدم الهائل الذى تم إحرازه فى الأنسقة العلمية لم ينجز عبر قوانين تشير صراحةً إلى ما يمكن ملاحظته ، بل عبر قوانين تتحدث عن مختلف الكينونات الفرضية أو النظرية ، أى كيانات وخصائص لا يمكن ملاحظتها .
ومن ثم أصبحت الموضوعية الكلاسيكية بلا قيمة فى الفيزياء المعاصرة . وبإنهيار الموضوعية الكلاسيكية لم يعد للنسق العلمي شموليته المتمثلة فى الاكتمال بل أصبحنا أمام إمكانية ظهور أية قضية جديدة تغير الواقع أمام أنساق مفتوحة
وفى هذا المقام حدثت استجابات داخل الاتجاه التجريبى ذاته ، استجابات مختلفة من أوجه عدة ولكنها تتحد فى ضرورة تطوير الفكر التجريبي ليستوعب المتغيرات العلمية أهمها محاولات كارناب فى رؤيته حول طبيعة الأطر اللغوية أو محاولات كواين من خلال رفضه للتمييز التقليدى بين القضية التحليلية والتركيبية . فبالرغم من أن كلاً من كارناب وكواين لديه نظرة مختلفة عن علاقة المعرفة بالواقع ، إلا أن كلاً منهما يبدو متفقاً على أن التجريبية بوصفها الكلاسيكي لم تعد تناسب التطورات العلمية .
وفى هذا المقام قدم كارناب محاولة لتعديل الاتجاه التجريبي من حيث إنه لا يمكننا أن نحصل على معرفة عن العالم بدون تبني إطار لغوى مرجعى ، وبهذا تتغير المعرفة التى نحصل عليها بتغير الإطار اللغوى الذى نتبناه .
الأمر الذى آل بدوره إلى الكشف عن مفهوم الأطر اللغوية . ذلك المفهوم الذى لم يلعب دورًا مركزيًا في الوضعية المنطقية فحسب ، بل أثر أيضًا بشكل كبير فى تطور فلسفة العلم وبخاصةٍ حينما قال كارناب : ” إذا رغب شخص ما في التحدث بلغته عن نوع جديد من الكيانات ، فعليه تقديم نظاماً لطرق جديدة للتحدث ، يخضع لقواعد جديدة ؛ سوف نسمي هذا الإجراء بناء إطار لغوي للكيانات الجديدة المعنية ” .
وتقوم الأطر اللغوية على التمييز بين الأسئلة الداخلية والخارجية ؛ فقد ذهب كارناب إلى أن الأسئلة الخارجية تكون خارجة عن الإطار المعرفي وبالتالى تفترض وجود الموضوعية الخارجية المستقلة عن الأطر اللغوية ، أما السؤال الداخلى فيمكننا الإجابة عليه من داخل الإطر اللغوية إما بالطرق التحليلية أو التجريبية إعتمادًا على ما إذا كان الإطار منطقيًا أو واقعيًا .
وقد قدم مثالاً لنظرية كل من آينشتين ونيوتن إنهما يقدمان تصورين مختلفين عن الواقع كل يستند إلى إطار لغوى خاص ومحاولة طرح سؤال بلغة نسق أى منهما داخل النسق الآخر وهو ما أدى إلى أغلب الإشكاليات المثارة فى فلسفة العلوم ؛ فإذا سألنا ما هى طبيعة المكان هل هو إقليدى أم غير إقليدى لكانت الإجابة متعددة بتعدد أطرهما اللغوية المرجعية ؛ فالفيزياء التقليدية النيوتينية ستقول بأن المكان إقليدي ثلاثى الأبعاد ، وفيزياء الكوانتم أو النظرية النسبية تجيب كليهما على حسب أطرهما اللغوية بأن المكان غير إقليدي . اما السؤال بعامة وما هى طبيعة المكان الخارجى أو هل يوجد مكان خارجى ؟ فهذه كلها أسئلة خارجية عن الأطر اللغوية ، لذلك لا يمكن الإجابة عليها .
وإذا تسألنا بعد ذلك : هل الأجرام السماوية والكتل فى الكون تخضع لقانون الجاذبية بينها وبين بعضها كما فى نظرية نيوتن الكلاسيكية أم أنها تسقط سقوطاً حراً كما فى نظرية النسبية العامة ؟
وهنا يأتي التطور الفلسفي الحاسم في تاريخ فلسفة العلم فيضع كارناب يده على الخطأ فى السؤال السابق ويتبلور هذا الخطأ فى الجملة (بصرف النظر عن هذه النظرية او تلك ) فيوضح كارناب بأن صدق النظرية يعتمد على علاقتها بالمسلمات التى انطلقت منها النظرية . ومن ثم تكون العبارة صادقة علي مستوي الفيزياء الكلاسيكية وتظل العبارة الثانية صادقة على مستوى الفيزياء الكوانتية .
وبالتالي فإننا إذا افترضنا بأن المكان إقليدي ثلاثي الأبعاد ومتجانس فإن الأجسام تخضع لقوى جذب بينها وبين بعضها ، أما إذا افترضنا أن المكان لا إقليدي ويتغير عند الكتل لكانت النسبية العامة صحيحة لقولها بأن الأجسام تسقط سقوطاً حراً .
أما بالنسبةِ لما يحدث بعيداً عن هذه النظرية أو تلك فلا مجال للعلم فى ذلك فالعالِم وفقاً لكارناب يفسر الواقع من خلال إطار معرفي أو مجموعة مسلمات ابتدائية يفترضها العقل وعلى ضوء كل إطار معرفي يقدم العلم تفسيراته وتوضح التجربة والملاحظة فقط مدي قدرة كل إطار معرفي على التنبؤ بسلوك الظاهرة .
يتضح مما سبق أن كارناب يريد أن يقول أن السؤال عما يحدث بين ملاحظتين ؟ هو سؤال لا يمكن طرحه فى فيزياء الكوانتم لأنه سؤال صيغ بلغة الفيزياء النيوتينية فلا يمكن طرحه داخل الإطار اللغوى للفيزياء الكوانطية . الأمر الذي يفسر أن كل فيزياء منهما تشكل إطاراً معرفياً لغوياً ؛ أي أنها تشكل نسقاً معرفياً إكسيوماتيكي يشكل الواقع الذي يصفه بناءً على نوع هندسة المكان التى يتبناها
ومن ثم تعتمد المعرفة على الإطار اللغوى الذى ينشئه الإنسان كما أنها تكتسب يقينها فقط من خلال الاتساق مع المسلمات الفرضية ، كما أنه لا يمكن تأييدها من خلال موضوعية خارجية ، وذلك لأن هذه الموضوعية الخارجية تعنى بالنسبة لفلسفة كارناب سؤالاً خارج النسق أو خارج الإطار المعرفي ومن ثم لا يمكن الإجابة عليه . وهكذا تنطلق من هذه الرؤية لكارناب العديد من الإتجاهات اللاواقعية التى ترفض الإجابة عن مثل هذه الأسئلة. وهذا التحول لكارناب نحو شئ من اللاواقعية ، وهذه الاشكالية التى تحيط بمفهوم الموضوعية يمثلان موضوع هذا البحث.
وبما أن ”رودلف كارناب ” و”توماس كون” هما شخصيتان لعبتا دوراً كبيراً ومؤثراً في فلسفة العلم للقرن العشرين. فإننا سنعقد مقارنة بينهما ؛ فلئن قام كون بصياغة تصور جديد لتطور العلم من خلال مصطلح ” النموذج ”أو ”البرادايم ” خاصة في مجال العلوم التجريبية مثل الفيزياء والفلك، فإنه لم يعد للتفسير العقلاني والتراكمي أهمية كبيرة في تفسير تطور العلم، كما أن صلاحية نظرية علمية لم تعد تقاس بمطابقتها للواقع بقدر ما تقاس بمقدرتها على تفسير هذا الواقع ، بينما نجد كارناب قد قام بصياغة مفهوم جديد بوصفه معالجة منطقية لتطور العلم ألا وهو” الإطار اللغوى” والذى يطبق على كل العلوم الغير قابلة للملاحظة وإنما تعتمد على المصطلحات النظرية.
وهكذا طور كارناب منهجه العلمي في الفلسفة وحاول فى مؤلفه ESO إنهاء النزاعات العقيمة من خلال تقديم تفسير لفلاسفة العلم لتوضيح أنه فى حالة عدم القدرة على إعادة صياغة العبارات حول وجود الكيانات المجردة إلى لغة علمية بحتة تكون تلك العبارات بلا معنى ، أما إذا تمكنا من إعادة صياغتها فى الواقع تصبح ذات معنى.
وفى هذه الحالة، أصبحت الفلسفة العلمية التي يتبناها كارناب في ESO ترفض الفكرة العقلانية التقليدية القائلة بأن هناك حقائق منطقية نعرفها قبلياً عن طريق ملكة خاصة للعقل . كما أنها ترفض الإدعاء القائل بأن الحقائق المنطقية والرياضية تعد حقائق تجريبية.
وهكذا يحاول كارناب في ESO أن يشرح لزملائه التجريبيين ، أو لفلاسفة العلم ، كيفية توسيع منهجه في التوفيق بين المنطق والمذهب التجريبى ومن ثم التوفيق بين الكيانات المجردة و التجريبية . وبالرغم من أنه قد قدم إرهاصات لذلك فى أعماله المبكره ، وبخاصةً التركيب Syntax، ولكن في ESO يعالج المشكلة بشكل مباشر وشامل أكثر من كتاباته السابقة أو حتى اللاحقة . كما أنه يريد أن يثبت لهم أنه فيلسوفٌ تجريبيٌ يؤمن بقبول الكيانات المجردة دون إلزامه بأى موقف ميتافيزيقى ، سواء كان أفلاطونياً أو أسمياً .
وفي هذا نوضح تطوير كارناب للوضعية المنطقية على ضوء التطورات العلمية فى القرن العشرين التي نجمت من تطورات و تجاوز فلسفة كارناب للوضعية المنطقية أيضاً ؛ وبخاصةً حينما نذكر تأثير الأطر اللغوية فى معيار التحقق ؛ بوصفه خروجاً لكارناب عن بعض أصول مذهب الوضعيين المناطقة . فلقد غير التمييز الداخلي / الخارجي حالة مبدأ التحقق. فبمجرد أن يتم التمييز الداخلي / الخارجي ، يصبح مبدأ التحقق معيارًا داخليًا للمعنى. فبدلاً من القول بأن الجمل التي لا يمكن التحقق منها تجريبياً تكون بلا معنى ، فإنها تصبح بلا معنى من وجهة نظر لغة / إطار تجريبي . الأمر الذى يكشف عن تطور مفهوم الموضوعية فى النظرية الإبستمولوجية عند رودلف كارناب من خلال توضيح المفهوم الجديد لموضوعية الكيانات المجردة بناءً على الأطر اللغوية ، والإشارة إلى تجلى تطور الموضوعية فى مفهوم المكان .
وقد اعتمدت الباحثة فى الإجابة عن التساؤلات الكبري التى تضوي تحت لوائها تساؤلات جانبية وفرعية ، والتى تواترت عبر صفحات البحث مناقشاتها على مناهج التحليل والنقد والمقارنة ؛ وذلك لتحليل المفاهيم و الأفكار التي استند إليها ”كارناب” في فلسفته، والمنهج المقارن الذي يستند إلى المقارنة بين الأطر اللغوية والبرادايم و ذلك ببيان أوجه الشبه و أوجه الاختلاف و نسبية العلاقة بينهما قصد التوصل إلى معارف أدق و التقصي والتعمق أكثر في العناصر المتناولة في موضوعنا هذا، ، ومتابعة عقلانيته التجريبية .