Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الخطاب السياسي لما بعد الحداثة عند جون جراى /
المؤلف
منصور، ندى محمد كمال عبد التواب .
هيئة الاعداد
باحث / ندى محمد كمال عبد التواب منصور
مشرف / ياسر عبد المنصف قنصوة
مشرف / محمد أمين شاهين
مشرف / اشرف حسن عبدالعزيز
الموضوع
الفلسفة.
تاريخ النشر
2022.
عدد الصفحات
219ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
الآداب والعلوم الإنسانية (متفرقات)
الناشر
تاريخ الإجازة
16/5/2022
مكان الإجازة
جامعة قناة السويس - كلية الاداب - الفلسفة
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 259

from 259

المستخلص

الخطاب السياسي Political Discourse كمصطلح له دلالته العميقة فى مجتمعاتنا المعاصرة، باعتباره آلية لتنظيم وإنتاج المعنى ضمن الأنظمة السياسية المختلفة، حيث يعتمد تحقق فعالية الخطاب على الأبعاد الأيديولوجية والطابع العام للثقافة السائدة، إلا أنه اكتسب مع جون نيكولاس جراى John Nicholas Gray دلالات مغايرة نظراً لنشأته الفكرية بالمجتمع البريطانى، والذى اتسم بديناميكيته الفكرية والسياسية منذ عصر الحداثة، لقد طغت تلك السمة على فلسفة جراى السياسية والذى اعتمد البحث فى أسس الخطاب الليبرالى الحداثى، ومن ثم نقده لتحديد أركان الأنماط الليبرالية ما بعد الحداثية انتهاءً بتخطى تلك الأنماط فى رحلة جديدة للبحث عن معنى للحرية، معنى حقيقى لا يعود إلى الإنسانية الزائفة التى تستند على قواعد التنوير ووهم التقدم بل إلى إنسانية تحاكى الحياة الفطرية للكائنات الحية وخاصة الحيوانات.
حاول جراى من خلال تطوره الفكرى أن يحدد ماهية الخطاب ما بعد الحداثى والذى أوقع الإنسانية فى حالة من تيه العالم فى اللامعنى، والتى أنتجت بدورها عدد لا حصر له من التوجهات الفكرية للمذهب الواحد. فنلاحظ أن مذهب الليبرالية كتوجه سياسي يدعم الحرية الفردية Individual Freedom كقاعدة عامة قد تضمن عديد من الاختلافات الأيديولوجية مُنتجة أنماط شديدة التنوع من الخطاب ومنها:
الليبرالية الكلاسيكية Classical Liberalism بقيادة جيرمى بنثام Jeremy Bentham(1748م- 1832م)، وجيمس ملJames Mill (1773م- 1836م)، اللذان دعما الحرية الفردية مستندة إلى العقلانية الخالصة والبرجماتية لتحقيق الرفاهة الخاصة، إن الدافع المنفعى هنا هو الضامن الأول لتحقق الحريات الفردية داخل إطار المجتمع المدنى رغم الهيمنة المؤسساتية على تلك الممارسات إلا أن رواد هذا الاتجاه قد أخضعوا حماية الحقوق الفردية لسلطة الحكومة، فهى القادرة على توفير الحماية للمواطنين.
إلا أن هذا التصور عن الحريات نال العديد من أوجه النقد كونه يبقى فارضاً لسلطة أقوى مهيمنة على الإرادة الفردية، وقد ذهب جون ستيوارت مل John Stuart Mill (1806م – 1873م) فى إطار نقده لنزعة الليبرالية الكلاسيكية إلى التأكيد على أن السعادة الحقيقية تكمن فى استقلالية الفرد استقلالاً كاملاً، حيث التحول إلى الفاعل الحر وذلك عبر مجموعة من القيود التى تمنع الأفراد من إلحاق الأذى بأنفسهم، وقيود تؤكد على ضرورة توافق الأفراد مع الرؤى المختلفة داخل المجتمع الواحد، من خلال ذلك يدعم مل الحرية الذاتية القادرة على اتخاذ القرارات بواسطة إرادة مستقلة. وفقاً لتصور مل تصبح الحرية الجماعية Collective Freedom أكبر وسيلة لتحقق الظلم الاجتماعى تحت شعار الحرية بل تدعم الديكتاتورية المركزية Central Dictatorship، بناءً على ذلك رفض مل سلطة وأبوية الدولة كما أقرتها سابقاً الليبرالية الكلاسيكية ليحقق نوعاً من المنفعة غير المباشرة كما سيذهب إلى ذلك جراى، هنا يقر مل بنمط خطابى جديد لليبرالية.
فى حين أن الحرية اللامركزيةDecentralized Freedomالتى خطها فريدريك هايكFriedrich Hayek(1899م – 1992م ) مؤسساً لخطاب النيوليبراليةNeoliberalismتستند على عفوية تلقائية للمجتمعات رافضاً من خلالها أية قاعدة مركزية للحرية تنتمى إلى التخطيط المنظم المسبق، قد دعم هايك فرضه من خلال حجة أن العالم فى تغير مستمر، تلك الصيرورة التى تشكل الخبرة الإنسانية تتم عن طريق الممارسة العفوية فتساهم بالحفاظ على الخصائص الجوهرية للحرية الفردية، ويعد هايك بهذا التصور مؤسساً لليبرالية المجتمع بدلاً من ليبرالية الدولة ( التى أسست لها الليبرالية الكلاسيكية).
أتت الليبرالية المحافظة Conservative Liberalismعلى يد مايكل أوكشوت Michael Oakeshott(1901م – 1990م) مؤكدة على ضرورة التوسط بين تحقق الحريات الفردية وتنوعها ومتطلبات الدولة، لتجنب خطر الوقوع فى فوضى الممارسات الإنسانية للحرية وعمل الدولة.
فى نفس الصدد يقدم جون رولز John Rawls (1921م – 2002م) تصوراً لليبرالية من خلال العدالة الإجتماعية Social Justice وإمكان تحقق تعزيز لمصالح الأفراد المتنوعة من خلال إجماع عقلى Rational Consensus، وبذلك يؤسس رولز توفيقاً بين القيم المتعارضة وتنوع القيمة الواحدة بهدف تخطى أية محاولة لإثارة الفوضى القيمية داخل الأبنية الاجتماعية، هذا النمط من الخطاب الليبرالى ما بعد الحداثى لاقى إعجاب العديد من رواد الليبرالية المعاصرة مؤسسين وفقاً لنسق رولز مشروع الإجماع العقلى عن التعايش السلمى Peaceful Coexistenceمُنتجين خطاباً للتسامح والعدالة.
إلا أن جراى فى إطار تلك الفلسفات الليبرالية المتعددة أقر بانهيار مذهب الليبرالية مؤكداً على أنها جميعاً أصبحت قاصرة وعاجزة عن تحديد معنى واضح للحرية، فإن مل الذى دعم الاستقلالية المطلقة للحرية الفردية رافضاً أية سلطة أبوية يعد من منظور جراى يحقق منفعة غير مباشرة على غرار منفعة والده جيمس مل مؤكداً ضرورة الحرية الفردية مع مؤسسات ديمقراطية تدعم تلك الحريات وقابلة لتعددية القيم الصادرة عن تنوع الحريات.
أما عن فريدريك هايك قد أعده جراى أحدأهم مؤسسى الليبرالية الجديدة حيث تمكن خلال نظريته العفوية من تجاوز الليبرالية التقليدية عند مل، إن هايك المُنظر الاقتصادى والمستشار الثقافى لمارجرت تاتشرMargaretThatcher (1925م – 2013م) قد طرح خطاباً لليبرالية اليمينية مُعلناً من خلاله عن حقبة جديدة للتطورات الاقتصادية والسياسية الرافضة للمركزية، إلا أن تلك الأيديولوجيا النيوليبرالية ستحظى بالعديد من المساهمات الفكرية التى تعيد القيادة مرة أخرى إلى سلطة المركزية، وهومن العوامل المهمة التى دعت جراى إلى انتقاد السياسة الثاتشرية بتصورها سياسة تناقض أكثر من كونها سياسة اتساق وإدماج، فهى تنطلق من اللامركزية فى منهجها السياسي مُطبقة أنماطاً متعددة من المركزيات مما أحدث خللاً بالخطاب الثاتشرى، والذى أدى إلى انهيار مكانتها بالمجتمع البريطانى لتحل الليبرالية اليساريةLeft Liberalism محل النيوليبرالية بقيادة تونى بليرTony Blair (1953م- ...)، والتأسيس لخطاب سياسي يعيد هيكلة المجتمع البريطانى مع المشروعات العالمية للاستقرار والسلم عالمى، فنلحظ الانحدار السريع للخطاب الليبرالى اليميني منذ انهيار الثاتشرية.
وصولاً إلى أوكشوت فإن تصوره ظل متوتراً بين نزعته المحافظة ورغبته فى طرح رؤية مغايرة لليبرالية ليحقق بذلك توافقاً بين أهداف الحرية الفردية ومصالح الدولة العليا. وبالانتقال إلى موقف جراى من طرح رولز وأنصاره الليبراليون عن مشروع الإجماع العقلى والذى بواسطته يتم التحكم فى تعددية القيمPluralism Of Values فهو طرح غير قابل للتطبيق مؤكداً بضرورة إدراك المؤسسات السياسية لفرض تعددية القيم بين الأفراد، وأن إقامة إجماع عقلى حول القيم هو عودة إلى المشروعات الشمولية التى دعمت حرية الجماعة والتى هى من منظور جراى لاحرية جماعية، فإن التصور الجديد للحرية قد أطاح بها كما ذهب إلى ذلك جراى فلقد قضى الإجماع العقلى على الخطاب الحقيقي لليبرالية عن معنى الحرية.
هذا التصور الناقد الذى عرضه جراى عبر أعماله الفكرية المتنوعة منذ إسهامه الفكرى الأول (هايك عن الحرية عام 1985م) حتى آخر إسهاماته (فلسفة الماكر: القطط ومعنى الحياة عام2020م) إنما هومحاولة لتوضيح مواطن الضعف للتعدد اللانهائى لليبرالية بتقديم معالجة لأكثر المشكلات اليومية التى تعانى منها الإنسانية كالحرية والسلطة، العنف والإرهاب، السعادة والقهر.
لقد عانت الإنسانية Humanism حالة من فقدان معنى القيم الجوهرية لوجودها البشرى، فأصبحت الإرادة الإنسانية إرادة مُشيأة غير قادرة على اتخاذ القرارات الواعية الحرة، إن عملية الاغتراب Alienation الذى تعرض لها الفرد بالمجتمع الغربى تعد أقصى أنواع التوجيه الخطابى للعقل البشرى، وقد تضمنت العديد من المراحل: بدءً من اغتراب الذات عن الواقع المحيط بها فيتحدد عمل الوعى ضمن الإطار الضيق لمفاهيم الحياة حيث المأكل/المشرب، ثم اغتراب الذات عن الآخرين فينعزل الفرد عن أية قدرة إنسانية لممارسة الحرية والتسامح وقبول الآخر، فيتحول بالضرورة إلى ذات مشيأة تحقق فقط ما يُملى عليها من أوامر دون تفكير أوبحث، هنا مارس الخطاب