Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
تجار مصر والشام
وأثرهم في ازدهار الحركة العلمية
” في القرنين السادس والسابع الهجريين/ الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين /
المؤلف
طايع، أسماء سعد عشري.
هيئة الاعداد
باحث / أسماء سعد عشري طايع
مشرف / وائل أحمد إبراهيم طوبار
مشرف / إبراهيم فرغل محمد
مناقش / إبراهيم فرغل محمد
الموضوع
qrmak
تاريخ النشر
2022
عدد الصفحات
332 ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
التاريخ
تاريخ الإجازة
8/3/2022
مكان الإجازة
جامعة الفيوم - كلية دار العلوم - قسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 332

from 332

المستخلص

وتكاثر لأموال أهلها من التجار وسَرَوَاتهم كان له أبلغ الأثر في نهضة الحياة العلمية؛ بما كانت لهؤلاء التجار من إسهامات في إنشاء المؤسسات العلمية، أو الوقف عليها، وعلى منتسبيها، أو تبني أهل العلم؛ علماء وطلاب، ورعايتهم، أو الإنفاق على تعليم الموالي والأيتام وذوي الحاجة، وما إلى ذلك من أمور اتضح من خلالها اهتمام التجار بالعلم وطلابه.
ولم يقف اهتمام التجار بالعلم عند هذا الحد، وإنما اتخذ شكلًا أعمق مما سبق؛ بوجود تجار اهتموا بطلب العلوم وتحصيلها، ونبغوا في ذلك، خاصة أن عددًا منهم كان ينتمي إلى أُسَر علمية هيأت له سُبُل تحصيل العلم، ومنهم من كان ينتمي إلى أُسَر علمية وتجارية؛ فاقتفوا أثر آبائهم وأجدادهم في حب العلم والتجارة معًا والجمع بينهما.
وفي بُعد آخر توطَّدت صلة التجارة بالعلم؛ بوصفها موردًا مهمًا يُسهم كثيرًا في استقلالية أصحابه؛ إذ وجد العلماء في احترافها متنفسًا جديدًا يُضفي عليهم استقلالية فكرية وعلمية، وموردًا يكفيهم سؤال الحُكام، والتمسح ببلاط قصورهم؛ إذ إنَّ العَالِم إذا مَلَك مؤونته مَلَك رأيه وحفِظ عِلْمه، ومن ذلك ما ورد عن سفيان الثوري (ت: 162ه/778م) عندما جاءه رجل وسأله مستنكرًا: يا أبا عبد الله أتمسِك هذه الدنانير؟ فقال الثوري: اسكت، لولا هذه الدنانير لتَمَنْدَل بنا هؤلاء الملوك( ).
واستنادًا لما تقدَّم يتضح ارتباط التجارة بالعلم بدءًا من القوافل التجارية التي حملت معها العلماء وطلابهم في رحلاتهم العلمية، وما تبع ذلك-بطبيعة الحال- من سماع تجار هذه القوافل وغيرهم للمجالس العلمية التي عقدها هؤلاء العلماء في سفرهم، ومرورًا بتجار سَخَّروا ثرواتهم لخدمة العلماء وطلابهم، وانتهاءً بتجار نبغوا في طلب العلم وتحصيله؛ ولذا تباينت فئة التجار وصلتها بالعلم بين أنواع ثلاثة؛ تاجر لم يُعْن إلا بالتجارة، وتاجر مهتم بالعلم وأهله، وتاجر عالم نبغ في مجالات علمية مختلفة.
وعليه قد انحصرت إسهامات التجار في الحياة العلمية بين تاجر من العَوَام يرعى العلم وأهله ويبذل في سبيل ذلك ما ارتضاه من مال، وتاجر عالم عُنِي بطلب العلوم وتحصيلها وبذل في سبيل ذلك مالًا وجهدًا ووقتًا حتى عُدَّ رأسًا في مجاله العلمي، فكانت لإسهامات هؤلاء التجار العلماء-المعنيين بالدراسة- أعمق الأثر في نهضة العلوم وازدهارها، وبخاصة في القرنين السادس والسابع الهجريين؛ إذ إنهم حملوا على عاتقهم نشر الثقافة الإسلامية، وأسهموا في ازدهار علومها، ولم يصرفهم عملهم في التجارة عن ذلك؛ بل اتخذوا من التجارة عونًا لهم على كسب العيش والرحلة في طلب العلم وتحصيله، فحصَّل الواحد منهم-مع عمله في التجارة- ما أهَّله ليجلس مجالس العلماء، واقترن لقبه المهني بلقبه العلمي، فظهر في حضارتنا الإسلامية التاجر المحدِّث، والتاجر الفقيه، والتاجر النحوي، والتاجر الطبيب، والتاجر الأديب، وغير ذلك، كما جمع بعضهم بين رغد العيش وبسطة العلم؛ حيث كانت التجارة مصدرًا مهمًا لاستمرار عطائهم العلمي، والذي تنوعت صوره في مصر والشام إبَّان فترة الدراسة بين دراسة وتدريس وعقد حلقات علمية، ورواية أمهات الكتب، والتصنيف والكتابة، وتقلد أبرز الوظائف الدينية والعلمية.
أضف إلى ما سبق أن هؤلاء التجار العلماء كان لهم دور مُؤثِر في مد جسور التواصل الثقافي وتوطيد الصلات الفكرية بين مصر والشام -خاصة- وغيرهما من أقطار العالم الإسلامي؛ بما نقلوه من كتب وأفكار، وما عقدوه من حلقات نشروا خلالها ما لديهم من علوم حدَّث بها عنهم طلابهم. ومن هنا كان اختيار هذا الموضوع للبحث والدراسة تحت عنوان ” تجار مصر والشام وأثرهم في ازدهار الحركة العلمية في القرنين السادس والسابع الهجريين/الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين”.
أهمية الموضوع:
يُجيب الموضوع على عدة تساؤلات مهمة، منها:
1. هل كانت لتجار مصر والشام مشاركة مؤثرة أسهموا من خلالها فيما شهده القرنان السادس والسابع للهجرة من نهضة علمية واسعة؟
2. وما مظاهر تلك الإسهامات إن وجدت؟ وإلى أي مدى كان تأثيرها؟
3. وهل كان للتجار دور في مد جسور التواصل الفكري بين أقطار العالم الإسلامي؟
4. وهل صرفت التجارة أصحابها عن طلب العلم ونشره؟ أم كانت عونًا لهم على تحصيل العلوم والتفاعل معها تأثيرًا وتأثرًا؟
ولما كان ارتقاء أية أمة كائنًا ببناء حضارة مائزة تُبقي أثَرَها خالدًا بين الأمم، وذاك كله نابع في أساسه من تلك القيم التي تحيا بها كل أمة باختلاف طبقاتها- بدءًا بقاعدة الهرم الطبقي لأية أمة وانتهاءً برأسه-؛ تجلَّت أهمية الموضوع في كونه يُسَلِّط الضوء على فئة من فئات الطبقة الوسطى في مجتمعي مصر والشام؛ تلك الطبقة التي حملت على عاتقها رفع راية أمتها -في مختلف نواحيها الدينية والحضارية والسياسية-؛ فتركت ما تركته من بصماتٍ جليِّةٍ وضَّاءةٍ، وشكَّلَت لبنة أساس في بناء الصرح الحضاري للأمة الإسلامية.
أسباب اختيار الموضوع :
وكان لاختيار الموضوع عدة أسباب أهمها ما يلي:
- وضوح أثر التجار في نهضة الحركة العلمية، وشيوعه ظاهرةً نالت من المُقَوِّمات ما جعلها جديرةً بالبحث والدراسة؛ حيث وَفْرة الشواهد المؤكِدة لها، مع تنوع صور تلك الظاهرة وأشكالها خاصة في مصر والشام؛ القُطْرَين محل الدراسة.
- أن هذا الأثر -على وضوحه وكثرة شواهده وتعدد مظاهره مع جدارته بالبحث والمعالجة- لم ينل حظه من البحث والتناول في دراسة علمية أكاديمية متخصصة؛ ومرجع ذلك لأسباب تعود في مجملها إلى قلة الدراسات الأكاديمية التي تطرقت إلى أطراف حضارية أخرى-خاصة العلمي منها- للتجارة والتجار باستنثاء الجانب الاقتصادي؛ الذي خاض عدد غير قليل من الباحثين غمار البحث فيه، وغضُّوا الطرف عن بقية النواحي.
- ما شهده القرنان السادس والسابع للهجرة من نهضة فكرية وثقافية، وبخاصة في مصر والشام، مع اختلاف الدول التي تعاقبت في الحكم عليهما طيلة هذين القرنين، وانعكاس سياسة كل منها على حركة التجارة واستقرارها، وما تبع ذلك من رحلات تجارية وعلمية للتجار ذهابًا وإيابًا من وإلى مصر والشام؛ ولذا كان من الأهمية بمكان إبراز دور التجار وإسهاماتهم في هذه النهضة الفكرية التي عاصرت تلك الفترة الزمنية المَعْنِيَّة بالدراسة.
أهداف الدراسة:
1- رصد إسهامات التجار في الحياة العلمية في مصر والشام فترة الدراسة من خلال عرض صور ومظاهر تلك الإسهامات.
2- بيان الأثر العلمي لهذه الفئة من المجتمع، وعرض إسهاماتهم العلمية، وما خلفوه من تراث مكتوب أو مسموع أو منقول.
3- استجلاء الأثر الفكري والثقافي للتجار العلماء، وبيان القيمة العلمية لنتاجهم الفكري، وصدى ذلك على المكتبة الإسلامية بمجالاتها العلمية المختلفة.
4- إبراز دور التجار في التواصل الفكري بين البلدان الإسلامية شرقًا وغربًا.
الفئة المستهدفة من الدراسة:
يرتكز موضوع الدراسة-في تناوله- على شِقِّين رئيسين، هما: العلم والتجارة، ولمَّا ارتبطا ببعضهما ارتباطًا حضاريًا وثيق الصلة، وحَوَت بطون المصادر نماذج عدة لفئات تباينت صلتها بالعلم وبالتجارة؛ بين تجار لم يُعن الواحد منهم إلا بالتجارة، وعلماء كرَّسوا حياتهم لطلب العلم، وتجار اهتموا بالعلم، وعلماء احترفوا التجارة؛ استهدفت الدراسة من بين هذه الفئات فئة جمعت الأمرين معًا، فأضحى تأثيرها الحضاري تأثيرًا مزدوجًا، ألا وهي فئة التجار العلماء.
إشكالية الدراسة:
تنطلق إشكالية الدراسة من فرضية مفادها: أن التجار كانت لهم إسهامات علمية سَدُّوا بها ثُغورًا عدة في الصرح الثقافي لأُمَّتِهم؛ وعليه طُرِحَت إشكالية الدراسة كما يلي:
هل كانت لتجار مصر والشام مشاركة في نهضة الحركة العلمية خلال القرنين السادس والسابع الهجريين؟ وعلى فرض وجود مشاركة منهم..فكيف كانت؟ هل كانت مشاركة مباشرة قدَّموا من خلالها تراثًا علميًا وفكريًا بمُدَارسة العلوم وتدريسها بجانب اشتغالهم بالتجارة؟ أم أنها اقتصرت على دعم العلم وروَّاده؛ علماء وطلاب؟ وعلى فرض وجود إسهاماتهم في الحالتين -لاسيما الأولى منهما-، ألم يقف عملهم بالتجارة حائلًا دون ذلك؟ أم كانت التجارة عونًا لهم على تحقيق ما كانت تصبو إليه أنفسهم في طلب العلم؟ وما العلوم التي عُني التجار بدارستها؟ وما مظاهر هذه العناية؟ وهل كانت تلك العناية كائنة قبيل فترة الدراسة؟ وما مظاهر ذلك؟ وهل تركت إسهامات التجار تأثيرًا واضحًا في الحياة العلمية؟ وإلى أي مدى اتسع نطاق هذا التأثير إن وُجِد؟
ويحاول البحث الإجابة على تلك التساؤلات من خلال منهج علمي، وتخطيط منهجي على النحو التالي في خطة الدراسة.
خطة الدراسة:
تنتظم الدراسة في مقدمة، وتمهيد، وأربعة فصول، وخاتمة تعقبها الملاحق، وأخيرًا قائمة المصادر والمراجع التي عولت عليها الدراسة، وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
أما المقدمة فتشمل أسباب اختيار الموضوع، وأهميته، والهدف من دراسته، وإشكالية البحث، والدراسات السابقة، ومنهج الدراسة المتبع فيها، وعرض لأهم المصادر التي اعتمدت عليها الدراسة، وأهم الصعوبات التي واجهت الباحثة أثناء إعداد الدراسة.
وجاء التمهيد متضمنًا تهيئة للدراسة بعنوان أثر تجار مصر والشام في ازدهار الحركة العلمية قبيل فترة الدراسة؛ عرضت الباحثة من خلاله نبذة مختصرة عن إسهامات التجار العلماء في مصر والشام في نهضة الحياة العلمية قبيل القرن السادس الهجري.
وجاء الفصل الأول موسومًا بعنوان: إسهامات تجار مصر والشام في إثراء العلوم الدينية في القرنين السادس والسابع الهجريين؛ ويحوي ثلاثة محاور، تناول الأول منهم: إسهامات تجار مصر والشام في مجال علوم القرآن، وخصص الثاني للحديث عن إسهامات تجار مصر والشام في مجال علوم الحديث، وتناول الثالث إسهامات تجار مصر والشام في مجال الفقه وأصوله.
وفيما يخص الفصل الثاني فقد جاء بعنوان: إسهامات تجار مصر والشام في إثراء علوم اللغة العربية وآدابها في القرنين السادس والسابع الهجريين؛ عرضت الباحثة من خلاله إسهامات هؤلاء التجار في مجال اللغة العربية وآدابها، وجاء في محورين، تناول الأول منهما: إسهامات تجار مصر والشام في علوم اللغة العربية، والتي شملت علوم النحو والصرف والعروض، وخصص الحديث في المحور الثاني لإسهامات تجار مصر والشام في مجال علوم الدراسات الأدبية.
ويأتي الفصل الثالث تحت عنوان: إسهامات تجار مصر والشام في إثراء العلوم الإنسانية والتجريبية في القرنين السادس والسابع الهجريين، واشتمل على محورين اثنين؛ تناول الأول منهما: إسهامات تجار مصر والشام في ازدهار العلوم الإنسانية من خلال مشاركتهم في نهضة مجال الدراسات التاريخية، ومجال علم الكلام والعلوم الفلسفية، ومجال علم التصوف، وأما المحور الثاني: فقد عرضت الباحثة فيه إسهامات تجار مصر والشام في العلوم التجريبية من خلال مشاركتهم في مجال العلوم الطبية.
وأخيرًا كان الفصل الرابع بعنوان: أثر تجار مصر والشام في ازدهار المؤسسات الدينية والعلمية في القرنين السادس والسابع الهجريين؛ تناولت الباحثة فيه بعض الميادين الأخرى التي أسهم من خلالها تجار مصر والشام في نهضة الحركة العلمية، والتي كان منها ولاية الوظائف العلمية والدينية، وإنشاء المؤسسات العلمية، ووقف الكتب ودور العلم، وغير ذلك.
والخاتمة: وقد خصِصت لأهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة، وتعقبها الملاحق، ثم ثبت المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها الدراسة.
منهج الدراسة:
اعتمدت الباحثة في دراستها على المنهج التاريخي القائم على الوصف والتحليل والنقد؛ حيث سرد الشواهد في تسلسل زمني من الأقدم للأحدث، مع وصف الأحداث التاريخية، وتجميع النصوص ودراستها بالمقارنة ومحاولة تحليلها؛ بغية الوصول لنتائج مُقْنِعَة.
الدراسات السابقة:
أفادت الباحثة من عدة دراسات سابقة تطرقت إلى جوانب مختلفةٍ من هذا الموضوع، غير أنها لم تُحِط بكل أبعاده، واقتصرت الدراسات ذات الصلة المباشرة بالموضوع -المَعْنِي بالدراسة- على بحثين اثنين هما:
1. التجار ودورهم الثقافي في مصر خلال العصر المملوكي (648 – 923هـ / 1250 – 1517م)، للدكتور/ إبراهيم علي الدين السيد القلا، بحث منشور في مجلة كلية الآداب- جامعة جنوب الوادي، 1425ه/2004م.
2. أثر تجار العراق والشام في ازدهار الحركة العلمية من مستهل القرن السادس الهجري حتى سقوط بغداد سنة 656ه، للدكتور/ حسن أحمد عبد الرازق السمين، بحث منشور في مجلة كلية الآداب – جامعة الفيوم، 1435هـ / 2013م.
صعوبات الدراسة:
واجهت الباحثة أثناء إعداد هذه الدراسة عدة صعوبات، كان من أهمها:
- التعامل مع عدد كبير من تراجم لتجار علماء؛ تباينت ترجماتهم في أنشطتها ونتاجها، وتوزعت تلك الأنشطة في أكثر من ناحية من النواحي الحضارية عامة، والعلمية منها خاصة.
- ما تميز به العالم الإسلامي إبَّان حقبة الدراسة بكونه كتلة واحدة لا تعرف الحدود، ولا تفصلها الحواجز؛ فتدفقت الرحلات العلمية والتجارية، وكذا التي استهدفت الأمرين معًا، وانتهت أكثر تلك الرحلات-لعوامل عدة- بتوطُّن صاحب الرحلة في مِصْر من الأمصار التي دخلها، ونسبته إليه كما لو كان موطنه الأصلي، وربما تلاشت نسبته لموطنه الأصلي أمام نسبته لموطنه الجديد؛ مما جعل من الصعوبة -بعض الشيء- التثبت من أصول عدد من الشخصيات، وبخاصة التي لم تُشر المصادر إلى موطنها الأصلي بمولد، أو بنشأة؛ وعليه كان معيار ضم شواهد الدراسة إجمالًا -حيث موضعها من الدراسة- قائمًا على موطن المولد -إن وجد-، ثم ما اتفقت عليه معظم المصادر من نسبة اشتُهِر بها المَعْنِي بالترجمة، أو أُشِير إليها في ترجمته.
- التباين الواضح للمادة العلمية؛ بين نُدرة في نقاط بحثية ووفرة في أخرى، ومع هذا لم تكن الأولى منهما بالصعوبة البالغة؛ إذ إنها أمر غلب على طبيعة البحث في النواحي الحضارية، وبخاصة العلمية منها- لاسيما العلوم التجريبية-، وعليه انحصرت صعوبة هذا التباين في وفرة المادة وبكثرة في نقاط بعينها، ومن أبرزها: عناية التجار بالعلوم الدينية، وبالأخص علم الحديث؛ المائز عن غيره -وإن كانت سمة اختص بها على مر العصور- من العلوم بكثرة الشواهد الواردة فيه؛ مما استدعى انتقاء بعض الشواهد- وغض الطرف عن أخرى- طبقًا لمعايير عدة، منها: شهرة التاجر في مجاله العلمي، أو عمله في التدريس، وشيوع حلقاته العلمية، أو انشغاله بالتصنيف والكتابة في المجال نفسه، مع كثرة تلك التصانيف، إضافة إلى جمعه بين عدة علوم، أَضِف إلى ذلك كله محاولة توظيف تلك الشواهد لتغطية الفترة الزمنية -موضوع الدراسة- كلها.
- التعارض الجَلِي بين بعض الروايات التاريخية الواردة في غير واحد من المصادر والمراجع التي عولت عليها الدراسة، ومن ذلك: تفاوت تواريخ الوفيات لعدد من شواهد الدراسة، واختلاف الروايات من مصدر لآخر في نسبة الشخصية الواحدة إلى موطنها الأصلي، فضلًا عن التباين الظاهر في أسماء الكتب والمؤلفات المأثورة عن بعض التجار فئة الدراسة؛ مما تطلب من الباحثة وقتًا وجهدًا أكثر -بعض الشئ- لتجميع روايات عدة للترجمة الواحدة، ومقارنتها، وترجيح إحداها ما أمكن الاستنتاج ذلك.
- اكتفاء عدد من المصادر-إن لم يكن أكثرها- بالحديث عن النشاط العلمي للمترجَم له، وإغفال ما يتعلق بنشاطه في جانب التجارة، ويبدو أن ذلك كان نهجًا انتهجته أكثر المصادر وبخاصة كتب التراجم؛ حيث اقتصرت على تصدير ترجمة المعنِي بالدراسة بكونه تاجرًا أو بزارًا أو بأية لفظة تدل على عمله في هذا المجال؛ بل إن بعض المصادر صمتت-في ترجمتها لغير واحد من التجار العلماء- عن ذلك كليةً، فلم تُشر أساسًا إلى عمل المترجَم له في التجارة لا صراحة ولا تلميحًا؛ مما استدعى عودة الباحثة إلى تلك المصادر غير مرة لمقارنة ترجمة المَعْنِي بالدراسة بما ورد في مصادر أخرى أشارت إلى عمله في التجارة.
- وبالمثل أُسقِط النهج نفسه -المتقدم ذِكره- على عدد من كتب الطبقات وبخاصة التي تناولت تراجم أعيان التجار الفقهاء باختلاف مذاهبهم؛ إذ أتت أكثر ترجماتهم خالية من ذكر أي إسهام يوضح طبيعة نشاطهم في مجال الفقه، واكتفت بعض الكتب بتصريحها بنسبة المَعْنِي بالترجمة إلى مذهبه الفقهي، أو إلى كونه علمًا من أعلام مذهبه، فصدِّرت ترجماتهم بالفقيه الشافعي، أو أحد أعلام الحنابلة، وما إلى ذلك دون الإشارة إلى إسهاماتهم في هذا المجال من إفتاء وتدريس وغير ذلك -باستثناء الإشارة إلى مصنفاتهم إن وجدت-؛ وفي ذاك ما يوقع القارئ في خلط بين أعلام الفقه حقيقة، وغيرهم ممن تبعوا مذهبًا فقهيًا بعينه، ونبغوا في علوم أخرى، أو ممن تبعوا مذهبًا فقهيًا بعينه وهم عوام ليسوا بفقهاء؛ وعليه كان المُسَوِّغ الوحيد لانتقاء بعض تراجم التجار الفقهاء -ضمن شواهد الدراسة- ما صُدِّرت به ترجماتهم من ناحية، ووُرودهم في كتب الطبقات بوصفهم أعيانًا في مذاهبهم من ناحية أخرى.
- وفرة النماذج التي حَوَتها بطون المصادر من ترجماتٍ لتجار علماء عاصروا فترة زمنية ليست بالقليلة من القرن السابع الهجري، وأسهموا فيما شهده هذا القرن من نهضة علمية واضحة، إلا أن وفياتهم كانت في القرن الثامن الهجري، وإليه انتسبوا، ورُغم تخطي وفياتهم الحدود الزمنية لموضوع الدراسة؛ آثرت الباحثة توظيف بعض هذه النماذج في الدراسة -محل النظر- لعوامل عدة، منها: محاولة إبراز إسهاماتهم في النهضة العلمية لتلك الفترة التي عاصروا جزءًا منها، بالإضافة إلى أن عددًا من هؤلاء التجار العلماء كانوا من المُعَمِّرين؛ إذ عاش الواحد منهم ما يربو على المائة عام، وقد قضى جُلَّها في القرن السابع الهجري. أضف إلى ذلك أن التكوين العلمي لهؤلاء التجار العلماء من طلب وتحصيل، ثم السعي في نشر ما لديهم؛ كان في القرن السابع الهجري، الذي شكَّل لهم زمن تكوين وعطاء.
عرض لأهم مصادر الدراسة ومراجعها:
اعتمدت الدراسة على عدد من المصادر التي شكلت هيكلًا رئيسًا، وجاءت تلك المصادر متنوعة بين كتب التراجم والطبقات، وكتب التاريخ العام، والتاريخ المحلي، وكذا كتب الجغرافيا والبلدان، بالإضافة إلى عدد من المراجع المهمة والتي أفادت الدراسة كثيرا في غير موضع منها. أولًا: كتب التراجم والطبقات والتي شكَّلت المصدر الأول والرئيس من بين المصادر التي اعتمدت عليها الدراسة، وبرز في مقدمتها:
- كتاب ”معجم الأدباء” (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) للحموي، شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الرومي (ت:626ه/1228م)، والذي أفادت منه الدراسة كثيرًا لا سيما فيما أورده من تراجم لتجار أدباء وشعراء في مصر والشام، وهي تراجم وافية في أكثر نواحيها، بالإضافة إلى حرصه على ذكر مصنفات المترجم له، مع إيراد جملة من مقطوعاته الشعرية، فضلًا عن معاصرته لكثير ممن ترجم لهم، خاصة أنه عمل في تجارة الكتب مع اهتمامه بالعلم وبراعته في أكثر من مجال؛ فكان واحد من هؤلاء التجار -فئة الدراسة- الذين كانت لهم أياد بيضاء في نهضة الحركة العلمية، ومع ذلك يؤخذ عليه بُعْده عن الدقة- بعض الشيء- في تاريخ وفاة بعض التراجم، ومن ذلك مخالفته معظم المؤرخين في تاريخ وفاة التاجر العالم أبي اليُمن الكِندي، فكان مُجانِبًا للصواب في ذلك لأسباب سيأتي ذِكْرها في موضعها.
- كتاب” إنباه الرواة على أنباه النحاة” للقفطي، جمال الدين، علي بن يوسف (ت:646ه/1248م)، في أربعة أجزاء، ويشتمل على الكثير من علماء النحو، واللغة وغيرهم، وقد اعتمدت عليه الدراسة بشكل أساسي في تراجم التجار العلماء من النحاة واللغويين، أو من كانت لهم مشاركة في هذا المجال مع عنايتهم بمجالات علمية أخرى، وكان مما ميَّزه عن غيره من المصادر؛ معاصرته لغير واحد من التجار العلماء خاصة من تتلمذ عليهم من شيوخه، وإعطاء معلومات مفصلة عن المعنيين بالترجمة. ومن كتبه التي عوَّلَت عليها الدراسة أيضًا كتاب” إخبار العلماء بأخبار الحكماء”، وتأتي أهميته بالنسبة للدراسة في كونه ترجم لجملة من الأطباء والحكماء والفلاسفة ممن اشتهروا في مصر والشام، أو من وفد إليهما، وقد أفادت الدراسة منه كثيرًا في الجزء الخاص بإسهامات التجار العلماء في العلوم الطبية وفي علوم الفلسفة والكلام، وبخاصة فيمن وفد إلى بلاد الشام من أطباء وحكماء أندلسيين ومغاربة.
- كتاب” عيون الأنباء في طبقات الأطباء” لابن أبي أصيبعة، أبو العباس موفق الدين أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس (ت:668ه/1270م)، والذي يُعد من أهم المؤلفات التي تناولت تاريخ الأطباء والحديث عن البيمارستانات، وتأتي أهميته بالنسبة للدراسة فيما أورده من تراجم لتجار علماء مارسوا علم الطب ونبغوا فيه سواء أكانوا مصريين، أم شاميين، أو حتى ممن وفدوا إليهما وانتفع أهل هذين القطرين بما لديهم من علم، وبما صنفوه من كتب في هذا المجال.
- كتاب” تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام” للإمام الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز (ت:748هـ/ 1347م)، وقد تضمن هذا الكتاب تراجم المشاهير من رواة الحديث، والمقرئين، والشعراء، والأمراء، وغير ذلك؛ ولذا كانت له الفائدة العظيمة في تراجم كثيرة لتجار علماء في مصر والشام، والوافدين إليهما، ومعاصريهم من ملوك وأمراء وشيوخ وتلاميذ، وتميز عن غيره من المصادر بترجمته للأعلام ترجمة وافية ودقيقة بذكر اسم المترجم له كاملا مع ألقابه وكناه، إضافة إلى مكان وتاريخ مولده، ومذهبه، مع ذكر الأمصار التي ارتحل إليها، وشيوخه وتلاميذه ونتاجه العلمي، وما تقلَّده من وظائف، إلى غير ذلك مما يخص الترجمة من معلومات مهمة، أضف إلى ذلك كله تغطيته للفترة الزمنية محل الدراسة بأكملها، إلا أنه في بعض المواضع صمت عن مهنة العالم وبالأخص نشاطه التجاري؛ فوردت بعض الترجمات خالية تمامًا من أية لفظة تشير إلى عمل المترجم له في التجارة.