Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
فاعلية برنامج معتمد على اليقظة العقلية لتنمية
مهارات التنظيم الانفعالي والحد من الانتكاسة لدى مسيئ استخدام المواد النفسية /
المؤلف
شومان، مهيناز عبد المنعم مصطفى.
هيئة الاعداد
باحث / مهيناز عبد المنعم مصطفى شومان
مشرف / هنــــاء أحمـــد شويــخ
مشرف / نيفـــين نــــيروز
مناقش / نيفـــين نــــيروز
الموضوع
qrmak
تاريخ النشر
2023
عدد الصفحات
276 ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
علم النفس التنموي والتربوي
تاريخ الإجازة
11/1/2023
مكان الإجازة
جامعة الفيوم - كلية الاداب - علم النفس
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 276

from 276

المستخلص

تعتبر مشكلة إساءة استخدام المواد النفسية Drug abusers” ” من المشكلات التي يعاني منها العالم كله بصفه عامة، والمجتمع المصري بصفه خاصة؛ حيث أشار تقرير المخدرات العالمي إلى أن حوالي 275 مليون شخص تعاطوا المخدرات في جميع أنحاء العالم في عام 2021، وتشير التوقعات الحالية إلى زيادة هذه النسبة إلى 11% في عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات على الصعيد العالمي بحلول 2030. بالإضافة إلى زيادة ملحوظة بنسبة 40% في قارة أفريقيا بسبب النمو السريع للسكان والشباب (تقرير المخدرات العالمي، 2021).
بالإضافة إلى ذلك، يشير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي أن نسبة تعاطي المخدرات في مصر حالياً 5,9% في الشريحة العمرية من 15 إلى 60 عاماً، وهذا أعلى من المعدل العالمي، الأمر الذي يجعلنا نبحث عن أحدث العلاجات التي تعالج إساءة استخدام المواد النفسية للحد من الانتكاسة (صندوق المكافحة، 2022).
ويعتبر الأفراد مسيئو استخدام المواد النفسية هم أكثر الأفراد الذين يعانون من المشكلات النفسية والانفعالية التي يكون لها تأثير سلبي على حياتهم الشخصية بوجه خاص، بالإضافة إلى التأثير السلبي على المجتمع والاقتصاد بوجه عام. وتعد الانتكاسة من أصعب المشكلات التي تواجه الأفراد مسيئو استخدام المواد النفسية؛ حيث غالبًا ما ترتبط الانتكاسة ليس فقط بالعودة إلى المخدر وحدة إنما العودة إلى جميع السلوكيات الإدمانية والحالة النفسية والعقلية والانفعالية السابقة؛ مما يتسبب في مشكلة كبيرة للمريض وأسرته. وتعتبر الوقاية من الانتكاسة جزءً من برامج التعافي من الإدمان، يتم وضعه ضمن الخطة العلاجية للمريض. ولقد أثبتت العديد من البرامج العلاجية فاعليتها في علاج هؤلاء المرضى، ولكن لم يثبت فاعلية كل هذه البرامج في منع الانتكاسة؛ حيث أثبتت الدراسات أن البرامج العلاجية لعلاج الإدمان، مثل: برنامج الاثنتي عشرة خطوة (هو برنامج لعلاج الإدمان) غير مناسب لجميع الأفراد في الحد من الانتكاسة على الرغم من استخدامه بشكل أساسي في جميع المجتمعات العلاجية. ومن هنا جاءت الحاجة إلى ضرورة التدخلات العلاجية للحد من الانتكاسة، فقد وجد الباحثون حديثاً أن استخدام مكونات ومحاور اليقظة العقلية Mindfulness مع العلاجات المختلفة للإدمان، مثل: العلاج الجدلي السلوكيDialectical Behavior therapy ، والعلاج بالقبول والالتزامAcceptance and commitment therapy لها فاعلية في الحد من الانتكاس (Lubman, Maning & Chethman, 2017, p5).
ولأن إساءة استخدام المواد اضطراب انتكاسي مزمن، فإنه أصبح مرضاً شائعاً عالمياً، ويؤدي إلى ملايين الوفيات سنوياً، كما أن له تأثيرًا على جودة حياة الفرد، لذلك جاء تدخل البرامج العلاجية للإدمان، وذلك للوقاية من المشكلات المرتبطة بالإدمان من مشكلات سلوكية، وانفعالية، وغيرها، وهذا جعل ضرورة دمج العلاجات المعرفية السلوكية مع اليقظة العقلية كاستراتيجية لتعديل وعلاج مجموعة متنوعة من الاضطرابات والمشكلات المرتبطة بالإدمان، وترجع فعالية اليقظة العقلية في تناقص الانفعالات السالبة والمشاعر والعواطف الذاتية غير السارة، مثل: القلق، والحزن؛ حيث إن هذه المؤثرات السلبية تعد من أهم الدوافع وراء الانتكاس (صيام، 2018، ص3).
ويشير تقرير الخطة التنفيذية لمواجهة مشكلة المخدراتInforming Alchohol and Drug service planning in Victoria إلى أن استخدام اليقظة العقلية في العلاج النفسي يؤدي إلى التقليل من الضغوط وإدارة اللهفة crave. وبالتالي، منع الانتكاسة؛ حيث يشير التقرير إلى وجود 24 دراسة تعتمد على التدخلات العلاجية القائمة على اليقظة العقلية في علاج إساءة استخدام المواد النفسية، وأظهرت هذه البرامج أن اليقظة العقلية لها دور فعال في تقليل استهلاك المعتمدين على المواد المخدرة المختلفة، مثل: الكحول، والأمفيتامين، والكوكايين، والقنب، والتبغ، وذلك مقارنة بالعلاجات التقليدية التي لا يتدخل فيها العلاج باليقظة العقلية. كما أشارت هذه الدراسات إلى إمكانية تعميم هذه النتائج على الرغم من صغر حجم عينة هذه الدراسات إلا أن النتائج الفعالة لليقظة العقلية جعلتها قابلة للتعميم، مع ضرورة إجراء أبحاث ودراسات عديدة في هذا المجال على عينات إكلينيكية كبيرة الحجم. وتقوم اليقظة العقلية على تعزيز الوعي بالأفكار السلبية التلقائية التي بدورها تقود المريض إلى اللهفة للمواد النفسية ومن ثم الانتكاسة، ولذلك تساعد اليقظة العقلية مرضى الإدمان ومرضى الاضطرابات النفسية المختلفة على الوعي التام بهذه الأفكار السلبية وتعليم المريض كيفية تحجيم هذه الأفكار التي تقوده للانتكاسة(Lubman, Manning & Cheetham, 2017) .
وتتدخل اليقظة العقلية مع العديد من البرامج العلاجية، مثل: برنامج إدارة الضغوط، والعلاج المعرفي، والعلاج المعرفي السلوكي، والعلاج بالقبول والالتزام، والعلاج الجدلي السلوكي، لمنع الانتكاسة، وقد أشار المركز القومي للصحة النفسية إلى أهمية هذه التدخلات العلاجية في علاج إساءة استخدام المواد، فقد قام إيريك جرالند Eric Graland بدراسة في كلية الخدمة الاجتماعية جامعة يوتا yota في مركز اليقظة العقلية لتنمية الصحة العقلية قائمة على تصميم برنامج قائم على اليقظة العقلية في علاج مسيئي استخدام المواد ممن استخدموا الأفيونات للعلاج من الآلام المزمنة، وأثبتت الدراسة أن اليقظة العقلية تقلل بشكل دال من الضغط النفسي والآلام واللهفة لدى المعتمدين على الميثادون، وبالتالي تقليل الانتكاسة، كما أظهرت النتائج أن اليقظة العقلية لها تأثير كبير في التقليل من مخاطر الاعتماد على المواد الأفيونية لدى الأفراد الذين يعانون من الألآم المزمنة ويتعاطون علاجًا طويل الأمد من الأفيونات (Lubman, Maning & Cheeram, 2017, p5)
والعلاج القائم على اليقظة العقلية لمسيء استخدام المواد النفسية هو عبارة عن برنامج علاجي يحتوى على فنيات اليقظة العقلية لمنع الانتكاسة، وذلك من خلال تدريب المرضى على اليقظة العقلية في جلسات جماعية أسبوعية لمدة ثمانية أسابيع، كل جلسة تستغرق من 20: 45 دقيقة، كما يضم البرنامج الجلسات الفردية والتي تكون فيها الواجبات المنزلية، مع تأكيد ما تم التدريب عليه من ممارسات في جلسات اليقظة العقلية. وتحتوي تدريبات اليقظة العقلية على إدراج ثلاث دقائق من التأمل المبسط أو التنفس، وتدريب الأفراد على التركيز في المشاكل والأحاسيس المقلقة والسيئة وكيفية تفاديها ومواجهتها بدلا من تجنبها وعدم الحكم وقبول المشاعر السلبية كما هي وقبول الأفكار السلبية بدلا من منعها. وهنا يكون المريض أكثر شجاعة في وضع خطط يتم تنفيذها عندما تواجهه مواقف خطرة أو تعرضه لمشاعر وانفعالات سلبية قد تقوده للانتكاسة، ويعتبر العلاج القائم على اليقظة العقلية من أكثر البرامج كفاءه في علاج الاكتئاب لدى مسيئي استخدام المواد النفسية، كما تعتبر اليقظة العقلية فنية مكملة للعلاج المعرفي السلوكي، وذلك على عكس برنامج القبول والالتزام والعلاج الجدلي السلوكي الذي يعتبر شيئًا أساسيًا في البرنامج العلاجي لهم (Marcus, 2009).
ومن أسباب إضافة فنيات اليقظة العقلية قدرة البرامج على تدريب المرضى على التعرف على المحفزات أو الإشارات السلبية التي تؤدي إلى الرجوع للمادة المخدرة أو الانتكاسة، وذلك عند التعرض إلى المواقف الضاغطة؛ حيث إن التدريب على اليقظة العقلية يساعد المرضى على الوعي باللحظة الراهنة وقبولها دون الحكم عليها بما فيها من مشاعر أو انفعالات سلبية، وعندما يحدث الوعي يقوم الأفراد بمنع تطور هذه الأفكار من أذهانهم إلى أن تتحول إلى سلوك سلبي (الانتكاسة)، فعلى سبيل المثال: إن التدريب على اليقظة العقلية يحول التفكير في عبارة ”سأشرب أو أتعاطى بسبب أني أشعر بالحزن أو الاكتئاب” إلى أن يقول المريض: ”إنه من الطبيعي أن يشعر كل فرد بالحزن والاكتئاب في المواقف الصعبة، وليس معنى ذلك أن ألجأ للمخدر”، ومن ثم يبدأ في ممارسة تمارين الاسترخاء والتأمل مثلا أو غيرها من تمارين اليقظة العقلية من أجل تحجيم هذه الفكرة السلبية وصرف الانتباه عنها Graza, 2019)).
ويذكر (Weerasinghe & Bartone, 2016, p:83) أن تطبيق فنيات اليقظة العقلية في مجال الإدمان أدى إلى تغيير في نشاط خلايا المخ، وبالتالي أدى إلى حدوث تغير في العمليات المعرفية والوجدانية للفرد؛ مما يؤدي- بالطبع- إلى تقليل نسبة الانتكاسة.
ثانياً: مشكلة الدراسة:
لقد أشار المسح القومي الشامل لظاهرة إساءة استخدام المواد ذات التأثير النفسي لعام2017، أن نسبة تعاطي المواد ذات التأثير النفسي بالنسبة للذكور تعادل (11.7%)، وأن نسبة الممتنعين عن تناول أي مواد إدمانية لا تزيد عن (20%)، وأن نسبة عدم استكمال العلاج قد تصل إلى حوالي (50%)، وهي تقريبا نفس النسبة لدى مرضى الأمراض المزمنة، مثل: السكر، وضغط الدم (صلاح، 2021).
لقد أشارت التقارير العالمية إلى أن حوالي 5.5 في المائة من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة تعاطوا المخدرات مرة واحدة على الأقل في العام الماضي، في حين أن 36.3 مليون شخص، أو 13 في المائة من العدد الإجمالي للأشخاص الذين يتعاطون المخدرات، يعانون من اضطرابات تعاطي المخدرات. وعلى الصعيد العالمي، يقدر أن أكثر من 11 مليون شخص يتعاطون المخدرات بالحقن. كما ازداد عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات بنسبة 22 في المائة، ويرجع ذلك جزئيا إلى النمو السكاني العالمي. واستنادا إلى التغيرات الديمغرافية وحدها، تشير التوقعات الحالية إلى زيادة بنسبة 11 في المائة في عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات على الصعيد العالمي بحلول عام 2030، وزيادة ملحوظة بنسبة 40 في المائة في أفريقيا، بسبب النمو السريع للسكان والشباب (تقرير المخدرات العالمي،2021).
وعند النظر إلى التاريخ الإنساني، سنجد أن الإنسان قد اعتاد منذ فجر التاريخ على البحث عن مواد مختلفة لتخفيف آلامه أو استشفائه وحتى لتغيير حالات الوعي، وتعتبر المواد المغيرة لحالات الوعي سلاحًا ذا حدين، فهي مواد مهمة للشفاء من ناحية، ولكنها من ناحية أخرى مواد تؤثر على الدماغ والجهاز العصبي من أجل تعديل المزاج، ومن ناحية أخرى من أجل إحداث مشاعر من المتعة والاسترخاء؛ مما يؤدي من ناحية أخرى إلى الاعتماد عليها. وتعتبر إساءة استخدام المواد من المشكلات التي تهدد كيان الفرد والمجتمع على حد سواء؛ لما ينتج عنها من مشكلات صحية واجتماعية؛ إذ إن أغلب هذه المواد كالكحوليات أو التدخين أو العقاقير الممنوعة وغير القانونية ذات أثر نفسي يؤدي إلى الاعتماد عليها ويصعب التخلص منها. ومما يزيد من حدة المشكلة أن الفرد لم يعد يسيء استخدام مادة واحدة، وإنما أكثر من مادة في نفس الوقت. وعلى الرغم من النتائج الخطيرة المترتبة على سوء استخدام المواد إلا أن تأثيراتها المبدئية على الفرد تكون سارة في العادة، وهو عامل ربما يكون كامنا في جذور الاضطرابات المرتبطة بالمواد. وتعتبر معاملة الأفراد مسيئي استخدام المواد بطريقة سيئة، ووصمهم بمصطلحات شاذة، واتهامهم بضعف الإرادة، تجعل الطرق العلاجية غير فاعلة معهم؛ لذلك يعد غالبية المتخصصين في الصحة النفسية والجسدية أن سوء استخدام المواد ذات التأثير النفسي والتعلق بها عبارة عن مرض له علامات وأعراض محددة يمكن علاجه (سالمان، 2017، ص 20).
ويؤثر إساءة استخدام المواد النفسية على الجوانب البيولوجية والنفسية والاجتماعية، كما أن إساءة استخدام المواد النفسية تكسب الفرد العديد من السلوكيات الإدمانية؛ مثل: العدوان والانفعالات غير المنتظمة؛ مما يؤثر ذلك على استجابة الفرد للأحداث اليومية والمواقف الضاغطة وغيرها من الأحداث التي يواجها الفرد خلال يومه، وتلعب الانفعالات دورًا مهمًا في التكيف مع الأحداث الحياتية والأحداث الضاغطة أو المؤلمة، ويمكن وصف الانفعالات بأنها ردود أفعال بيولوجية ومعرفية في مختلف المواقف التي يواجها الفرد. وعلى الرغم من أن الانفعالات لها أسس بيولوجية، إلا أن لها مهارات أو أساليب لتنظيمها وتوظيفها بشكل صحيح، وهي على النحو التالي: 1- إدراك الانفعالات وفهمها، 2- قبول الانفعالات، 3- القدرة على التحكم في السلوكيات الانفعالية، 4- التصرف وفقا للأهداف المرجوة. ويتضمن الانفعال كل الأساليب الشعورية وغير الشعورية، مثل: الوعي الجسدي والانفعالي، والمشاعر، وقبول الانفعالات، والمشاعر والحفاظ عليها (Massah, Soharababi, et al, 2015).
هذا، وبعد الاطلاع على الأدبيات البحثية والدراسات العربية المتعلقة باستخدام البرامج القائمة على اليقظة العقلية في علاج مسيء استخدام المواد، وجدت الباحثة أنها لم تتناول تأثير التدريب على فنيات اليقظة العقلية في تنمية مهارات التنظيم الانفعالي لدى مسيء استخدام المواد النفسية في البيئة العربية، وذلك في حدود علم الباحثة- على الرغم من تأكيد العديد من الدراسات الأجنبية على أهمية اليقظة العقلية في علاج مسيء استخدام المواد النفسية، نذكر بعضاً منها: دراسة كينشيلا (Kinchla, 2009) الذي أكدت دراسته على دور اليقظة العقلية في تنمية الاتزان الانفعالي والوعي بالتجارب الداخلية؛ وذلك مقارنة بالمجموعة التي لم تتعرض للبرنامج، كما أن دراسة باون وزملائه (Bowen, Chawla, Collins, Witkiewitz, Hsu, Grow, et al., 2009) أثبتت دور البرنامج القائم على اليقظة العقلية في انخفاض اللهفة والقبول وزيادة الوعي والانتباه للحظة الحاضرة، كما أشارت دراسة جورج (George, 2015) -الذي استخدم برنامج تكاملي قائم على اليقظة العقلية- إلى وجود تحسن في المجموعة التجريبية في إدارة اللهفة وإدارة التنظيم الانفعالي مقارنة بالمجموعة الضابطة.
ولقد اتضحت مشكلة الدراسة الراهنة للباحثة أثناء التدريب في مستشفى مصر الجديدة للصحة النفسية وعلاج الإدمان. إن مشكلة عدم التنظيم الانفعالي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بإساءة استخدام المواد والانتكاسة؛ حيث يعاني مسيء استخدام المواد من الاندفاعية وعدم تنظيم الانفعالات الذي يؤدي إلى اللهفة، وبالتالي إلى الانتكاسة؛ حيث أقر العديد من الأفراد أنهم قد انتكسوا نتيجة الاندفاعية وعدم تحمل المشكلات الأسرية والمشاعر السلبية والإيجابية؛ مما يؤدي إلى اللهفة، ومن ثم الانتكاسة. هذا، بالإضافة إلى تزايد نسبة مسيء استخدام المواد النفسية، وهو ما دفع الباحثة إلى محاولة استخدام واحدة من الفنيات العلاجية الجديدة؛ لمحاولة تحجيم هذا الاضطراب؛ ومن هنا تتضح مشكلة الدراسة الراهنة وهو الاستفادة من ممارسات اليقظة العقلية في التقليل من الاندفاعية وتنمية مهارات التنظيم الانفعالي للحد أو التقليل من الانتكاسة.
وبناءً على ما سبق، يمكن تحديد مشكلة الدراسة الحالية في الإجابة عن الأسئلة التالية:
1) هل يؤدي التدريب على برنامج لليقظة العقلية في تنمية مهارات التنظيم الانفعالي والحد من الانتكاسة لدى المعتمدين على المواد النفسية المتعددة؟
2) في حالة ارتباط التدريب على برنامج لليقظة العقلية في تنمية مهارات التنظيم الانفعالي والحد من الانتكاسة لدى المعتمدين على المواد النفسية المتعددة:
أ‌- ما اتجاه هذه التغيرات (سلبية / إيجابية)؟
ب‌- ما مدى استقرار تلك التغيرات في فترة المتابعة؟
ثالثاً: أهداف الدراسة:
1- التعرف على مدى تحسن مسيء استخدام المواد على البرنامج القائم على اليقظة العقلية (القياس البعدي- القياس التبعي).
2- الكشف عن مدى تحسن مسيء استخدام المواد في مهارات التنظيم الانفعالي والحد من الانتكاسة.
رابعاً: أهمية الدراسة:
• الأهمية النظرية:
1- قله الدراسات التي تناولت العلاج باليقظة العقلية في مجال إساءة استخدام المواد، وذلك في حدود علم الباحثة.
2- إلقاء الضوء على إحدى المشكلات النفسية التي يعاني منها مسيء استخدام المواد النفسية المتعددة، وهي عدم التنظيم الانفعالي، والتي تقودهم للانتكاسة.
3- تزويد المكتبة بدراسة جديدة في مجال العلاج باليقظة العقلية لدى مسيء استخدام المواد النفسية.
• الأهمية التطبيقية:
1- تعليم المتعافين بعض السلوكيات الصحيحة، من خلال البرنامج القائم على اليقظة العقلية، والتي تساعدهم على حل مشكلاتهم.
2- تزويد المتعافين ببعض فنيات اليقظة العقلية التي تساعدهم في تنظيم انفعالاتهم.
3- تمكين المتعافين من فهم أنفسهم وأفكارهم ومشاعرهم وانفعالاتهم؛ مما يجعلهم يسلكون سلوكاً صحياً.
4- إمكانية استخدام المعالجين النفسيين هذا البرنامج لتنمية مهارات التنظيم الانفعالي لدى مسيء المواد المتعددة.
خامساً: مفاهيم الدراسة:
1- إساءة استخدام المواد النفسية (الإدمان):
إن كلمة إدمان دائماً ما تستخدم لكي تشير إلى سلوك لا نستطيع السيطرة عليه في كل الأحوال؛ حيث دائماً ما يصف الأفراد أنفسهم بأنهم مدمنون، مثل: إدمان التلفاز، أو إدمان شراء الملابس؛ حيث إن هذا المفهوم دائماً ما يستخدم لكي يشرح أعراض الانسحاب التي تتم بعد التوقف عن ذلك السلوك. ومعنى ذلك أنه عندما نلاحظ أعراض مؤلمة عند التوقف عن سلوك ما، فذلك يشير إلى الإدمان و”الإدمان هو أساساً ينتج من خلل في الجهاز العصبي المركزي مع عوامل وراثية ونفسية واجتماعية وبيئية...إلخ، ولا بد أن يتميز الإدمان بواحدة أو أكثر من هذه السلوكيات: عدم القدرة على التوقف من تناول المخدر، والاستخدام القهري، واللهفة أو الحنين للمخدر على الرغم من الأذى الذي يسببه المخدر”.(Herie, Godden, Shenfeild & Kelly, 2010, p:7)
ويعرف الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس اضطراب استخدام المواد بأنه يتمثل في نمط مشكلات الاستخدام التي تسبب خللا وظيفيا، ولا بد من عاملين أو أكثر خلال سنة:
1- الفشل في الوفاء بالالتزامات.
2- تكرار الاستخدام في مواقف تتسم بالخطورة الجسمية.
3- تكرار مشكلات العلاقات.
4- الاستمرار في الاستخدام بالرغم من المشكلات التي يسببها الاستخدام.
5- التحمل.
6- الانسحاب.
7- تناول المادة لمدة أطول، أو بكمية أكبر من المعتاد.
8- عدم فعالية محاولات التقليل أو التحكم في الاستخدام.
9- إهدار الكثير من الوقت في محاولة الحصول على المادة.
10- التوقف أو التقليل من ممارسة الأنشطة الاجتماعية والترفيهية والمهنية، أو التقليل منها.
11- اللهفة أو الرغبة القوية في استخدام المواد (هادى، شويخ، سلامة، جاسم، عبد الله 2015).
2-اليقظة العقلية:
إن اليقظة العقلية هي ترجمة لكلمة تم استخدامها في النصوص البوذية القديمة لكلمة يقظةpali وكلمة santi التي تدل على الانتباه والتذكر، وقد تم إدراج كلمةMindfulness لقاموس اللغة الإنجليزية على يدDavids & Stede سنة 1921 (Sigel, 2008).
كما يعد مفهوم اليقظة العقلية أحد العلاجات التي تبنتها الموجة الثالثة من العلاج النفسي، والتي اشتقت مبادئها من العلاج المعرفي السلوكي والتحليل النفسي؛ حيث ظهرت العديد من أنواع العلاجات من خلال هذه الموجة، مثل: العلاج المعرفي السلوكي CBT، والعلاجي السلوكي الجدلي DBT، والعلاج بالتقبل والالتزامACT. ويهدف العلاج عن طريق يقظة العقل إلى تعليم الفرد التركيز، وعيش اللحظة الحالية بتقبل تام، وتصالح مع النفس، دون شغل البال بإطلاق أحكام أو تقييمات للأفكار المصاحبة (أحمد، 2018، 55).
وعلى الرغم من وجود اتفاق بين علماء النفس والعلوم الفلسفية على أن اليقظة العقلية تمثل الانتباه للحظة الحاضرة، فإن هناك اتفاقاً أقل بشأن كيفية تعريفها، فالبعض ينظر إليها على أنها سمة، والبعض الآخر يعرفها على أنها: مجموعة من مهارات أو تمارين يمكن تحسينها وتطويرها، وينظر إليها بعض ثالث على أنها: انتباه هادف، ووعي بالحاضر، ويرى آخرون أنها: بناء متعدد الأبعاد، ونذكر بعض هذه التعريفات في الآتي:
وفقا لزين (Zin, 2015, p1481) فإن اليقظة العقلية تتلخص أساسا في الانتباه، بمعنى القدرة على تركيز انتباه الفرد على المحفزات الداخلية والخارجية. ويذكر (Holzel, Lazer, Grad, Olivier, Vago & Otto, 2011) أنها عبارة عن ممارسة من التأمل تؤدي إلى تحسين وتنظيم الانتباه، كما أنها تساعد الفرد أن يكون أكثر مرونة وأكثر تقبلا وأكثر تفتحا لما هو جديد.
وعرفها (Senderson, 2010) بأنها عبارة عن الوعي دون حكم، من خلال التجربة المباشرة، حيث تكون متيقظا وواعيا في كل لحظة، ونشرح ذلك بأمثلة، وهي:
1- عندما تأكل الحلوى وتلاحظ كل نكهة تذوقها، بدلاً من تناول الحلوى أثناء إجراء محادثة والنظر في أرجاء الغرفة، ففي هذ الحالة أنت هنا لا تفكر في الحلوى إذا كانت سيئة أو جيدة، بل أنت فقط تتناول الحلوى دون وعي.
2- عند التفكير في شخص تحبه أو تكرهه، فأنت تنتبه تماما لما تشعر به، سواء حب أو كره، فلا تنشغل بالتبرير لنفسك لسبب الحب أو الكره، بل إنك تقوم بالتجربة بوعي كامل، أي إنك داخل التجربة فقط دون أي تبريرات أو تفسيرات.
واليقظة هي الإدراك للحياة كما هي دون إصدار أحكام، وأن تدرك نفسك كما هي والأشخاص والآخرين كما هم، أي هي هنا والآن، من خلال التجربة الفورية والمباشرة، عندما تكون على وعي أو إدراك للحياة وفقا لشروطها، وأن تكون على قيد الحياة تماما لكل لحظة كما هي، وبالتالي من أجل أن تكون على يقظة ذهنية والحفاظ عليها، هذا يتطلب مهارات محددة يتم ممارستها مراراً وتكراراً (Senderson, 2010).
وتعرف اليقظة العقلية إجرائياً: بأنها مجموعة من الممارسات والفنيات التي يتم تعلمها من أجل تنمية مهارة التقبل وعدم الحكم والانتباه والوعي بالمشاعر والملاحظة والبقاء فى الحظة الحالية دون التفكير في الماضي أو التفكير في المستقبل.
3- التنظيم الانفعالي:
يعرف التنظيم الانفعالي بأنه العمليات التي من خلالها يستطيع الأفراد إدارة انفعالاتهم. وتعمل الانفعالات، مثل: نظام التنبيه الآلي تجعل الفرد أن يتجنب موقفًا معين وألا يتجنب موقفًا آخر. ويعاني الأفراد مسيئو استخدام المواد النفسية من عدم التنظيم للمشاعر السلبية وتهدئتها، مثل: الإجهاد، والقلق، والحزن، والألم، وذلك يظهر في الرغبة الشديدة لتعاطي المواد المخدرة، وبالتالي الإدمان (Tate, Brown, Glasner, Unrod, & McQuaid, 2006).
كما تعرف ”علي”( 2018 ) التنظيم الانفعالي على أنه عمليات داخلية وخارجية متضمنة في بدء، أو تجنب، أو تثبيط، أو الحفاظ على مواءمة الحدث، والشكل، والكثافة، والمدة لحالات المشاعر الداخلية، والعمليات النفسية، والانتباهية المرتبطة بالانفعالات، والحالات الدافعية، والسلوكيات المصاحبة للانفعالات؛ وذلك سعيا وراء إنجاز تكيفات بيولوجية أو سلوكية مرتبطة بالعواطف أو تحقيق أهداف فردية.
ويعرف التنظيم الانفعالي إجرائياً: بأنه عبارة عن الوسائل التي يستخدمها الفرد لخفض، أو الاحتفاظ للانفعال، بصورة تكيفية مع مختلف المواقف التي تواجهه.
4- الانتكاسـة:
هي عرض عام وشامل من أعراض الإدمان أو الاعتماد عموما، والإدمان أو الاعتماد الكيميائي العقاقيري خصوصا، وهو عملية دينامية متطورة ومؤثرة، وهو حدث مباشر أو غير مباشر، وهو قرار بشكل أو بآخر، كما أنه نتيجة لعوامل كثيرة متفاعلة ومتشابكة، وهو هدف يسعى المدمن المتوقف أو المعتدل مع معالجيه للوقاية منه. كما للانتكاسة نوبات دورية تهاجم المدمن المتوقف أو المعتدل بين حين لآخر، وقد تكون ذات علاقة شرطية ما بمناسبات معينة أو أوقات معينة اعتاد المريض الانتكاسة فيها، وعلى ذلك يمكن تعريف الانتكاس بأنه مجرد إخفاق، ففي المحافظة على تغير السلوك، وليس فشلًا في تغيير السلوك (أبو زيد، 1998، ص5).
وتعرف الباحثة الانتكاسة إجرائياً: بأنها عبارة عن عودة المتعافي إلى الأنماط السلوكية المرتبطة بإساءة استخدام الموادالنفسية التي منها التبرير والإنكار وعدم حضور الجلسات العلاجية، والتي بدورها تؤدي إلى وقوع المتعافي مرة أخرى في إساءة المواد النفسية (الانتكاسة الفعلية).
سادساً: محددات الدراسة:
1- المحددات البشرية: تكونت عينة الدراسة من (20) من مسيئي استخدام المواد، وانقسمت العينة إلى (10) ذكور، و(10) إناث، وتم اختيار العينة وفقاً للمحددات التالية:
أ- تتراوح أعمار الأفراد بين الفئة العمرية من (25-39) عاماً.
ب- جميع أفراد العينة من مسيئو استخدام المواد دون أي اضطرابات نفسية أخرى.
ج- جميعهم من مسيؤ المواد الأفيونية والأغلب هيروين.
2- المحددات المكانية: مستشفى مصر الجديدة للصحة النفسية وعلاج الإدمان.
3- تم تطبيق البرنامج العلاجي على المتعافين في الفترة بين 1/10/ 2022 إلى 28/2/2023، ثم تم التطبيق التتبعي بعد شهرين من تطبيق البرنامج وذلك في 1/5/2023.
ملخص الفصل:
قدمت الباحثة في هذا الفصل عرضا موجزاً لأهمية ومبررات الدراسة الراهنة؛ حيث ركزت على نسبة انتشار المخدرات في العالم بصفة عامة، وفي مصر بصفة خاصة، كما ركزت على مفاهيم الدراسة، وهي: إساءة استخدام المواد النفسية، والتنظيم الانفعالي، واليقظة العقلية، والانتكاسة، كمتغيرات أساسية للدراسة الراهنة بشكل مختصر. كما تم التركيز على أهمية ومبررات الدراسة الراهنة وصياغة مشكلاتها، وذلك تمهيداً لعرض المفاهيم والنظريات المفسرة والعوامل لكل من المتغيرات الخاصة بالدراسة، وهذا ما تم تناوله في الفصل التالي.

الفصل الثاني
الاطار النظري
محتويات الفصل
أولاً: مفهوم إساءة استخدام المواد النفسية
ثانياً: مفهوم اليقظة العقلية
ثالثاً:مفهوم التنظيم الانفعالي
رابعاً مفهوم الانتكاسة