Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
سياسة انجلترا تجاه فرنسا في عهد الملك هنري الخامس (1413-1422م) /
المؤلف
خليل، صفاء محمد صديق.
هيئة الاعداد
باحث / صفاء محمد صديق خليل
مشرف / صلاح محمد الضبع
مشرف / أسامة ابراهيم حسيب
مناقش / زبيدة محمد عطا
مناقش / عادل عبدالحافظ حمزة
الموضوع
فرنسا. انجلترا. العلاقات الخارجية.
تاريخ النشر
2022م.
عدد الصفحات
209 ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
التاريخ
تاريخ الإجازة
1/9/2022
مكان الإجازة
جامعة سوهاج - كلية الآداب - التاريخ
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 231

from 231

المستخلص

شهدت القارة الأوربية في نهاية العقد الرابع من القرن الرابع عشر الميلادي وحتى مطلع النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي سلسة من الصراعات والحروب بين مملكتي فرنسا وانجلترا، خاصة منذ ارتقاء الملك إدوارد الثالث سدة العرش الإنجليزي، ومطالبته بأحقيته في عرش فرنسا، تحت زعم إرثه لوالدته، التي كانت حقيقه بتولي هذا العرش، ومن ثم انتقال هذا الحق إليه بحكم القانون السائد آنذاك، مما اشعل فتيل حرب استعرت بينهما لنحو قرن كامل من الزمان، ومع تولى الملك هنري الخامس العرش الإنجليز، أكد على المطالب التي أثارها سلفه إدوارد الثالث، وقاد حلقة جديدة من سلسلة تلك الحروب آنفة الذكر.
ولُد هنري الخامس في 9 أغسطس عام 1387م، في مونماوث بمقاطعة ويلز، ينتمي لعائلة لانكستر، ذات المكانة المرموقة، ومرت طفولته بالعديد من الأحداث القاسية، جعلت منه مستقبلًا رجلًا قويًا قادرًا على تحمل الصعاب، وتخطي العواقب، فمع بلوغه الثامنة توفيت والدته، وفي العام التالي نُفي والده، ثم توفي جده، فأصبح تحت وصاية الملك ريتشارد الثاني، الذي حظي هنري بحبه واستحسانه، حتى اصطحبه معه في حملته على ايرلند، وهناك منحه وسام الفروسية وهو في التاسعة من عمره، وبتولي والده هنري الرابع عرش انجلترا عام 1399م، أصبح الأمير هنري وريثًا لعرش المملكة، وكانت إمارته على ويلز من أهم المناصب التي أسندت إليه، لما اكتسبه من خبره عسكرية واسعة في قمع الثورات والتمردات، صنعت منه واحدًا من أقوي فرسان وقادة انجلترا في العصور الوسطي، بل وجعلته جديرًا باعتلاء العرش الإنجليزي عقب وفاة والده عام 1413م.
تمكن هنري من خلق سياسة داخلية، تميزت بالهدوء النسبي، جعلت من عهده عصر صحوة إنجليزية تلت ما أصاب إنجلترا من وهن في عهد والده هنري الرابع، وسبق ما عانته من احتضار إبان عهد هنري السادس، وبإعلانه الحرب الفرنسية، استطاع أن ينمي الروح القومية، ويوجد وحدة مجتمعية، منحته دعمًا ماديًا ولوجستيًا، وجلعت قوة انجلترا مجتمعةً في قبضة يده، تلك التي ما لبث أن وجهها نحو فرنسا، لاستعادة حقه المزعوم.
وفي سبيل بلوغ هدفه، لم يكتف بمطالبة حيازة أكوتين والأراضي التي تنازل عنها الفرنسيون في معاهدة سلام بريتاني عام 1360م، وإنما طالب أيضًا بملكية نورماندي، وتورين، وماين، ومناطق أخرى من فرنسا، ثم ما لبث أن بلغ به طموحه وما واجهه من صلف البلاط الفرنسي، واستهانته به وبقوة بلاده أن طالبا صراحة بعرش فرنسا، ولتحقيق ذلك لجأ للقوة المسلحة، التي سبق وأن جهزها لتكون مستعدة لتحقيق مأربه بعد فشل مفاوضاته السلمية مع البلاط الفرنسي، وعليه فقد قاد هنري الخامس ثلاث حملات عسكرية ضد فرنسا، كانت البداية في 11 أغسطس عام 1415م، من ميناء بورتسموث نحو نورماندي، وفرض الحصار على مدينة هارفيلور، في منتصف أغسطس لتستسلم في 22 سبتمبر من العام نفسه، اكمل هنري حملته بالزحف بريًا نحو كاليه، رغم تدهور حالة الجيش، لما تعرض له من خسائر، حتى تمكنوا من عبور نهر السوم، الذي كان أكبر عائق في مسيرتهم، مما أثار حفيظة الفرنسيون الذين شعروا بأجراس الخطر، وعقدوا العزم على مواجهة الجيش الإنجليزي؛ لوقف زحفه في أراضي المملكة.
وفي 25 أكتوبر عام 1415م، وبالقرب من أجينكورت اشتبك الجيشين الإنجليزي، والفرنسي في واحدة من أشرس المعارك في تاريخهما، والتي أظهر فيها رماة السهام الإنجليز تفوق بارع، حيث ثبتوا الأوتاد الخشبية الطويلة الحادة الموجهة نحو العدو، مما ساعد على حمايتهم من سلاح الفرسان الفرنسي؛ وإعاقة حركته، بل وشتته، ليسقط زهرة عناصره في قبضة الموت، مما أحدث ارتباك وتخبط في صفوف الجيش الفرنسي، كما حالت الطبيعة الجغرافية، واستغلال الإنجليز الأمثل لها، دون اتساع خط المواجهة بين الجيشين، وإرغام الفرنسيين على القتال بقوات محدودة، أفقدتهم ميزة تفوقهم العددي، كما أن تحرر الإنجليز من الدروع الثقيلة أدت إلى خفة حركتهم مقارنةً بالفرنسيين الذين أدت تلك الدروع، وما شاب أرض المعركة من وحل نتيجة الأمطار الغزيرة إلى ثقل حركتهم، والحد من قدرتهم على المناورة، فكانت أجينكورت هي المعركة الأكثر فتكًا بهم في التاريخ الوسيط، حيث كانت قتلاهم، وجرحاهم تغطي الميدان، فقد قُدر عدد القتلى الفرنسيين بنحو عشرة آلاف، وسقط البقيه في أسر الإنجليز، مقارنة بالخسائر الإنجليزية الأقل، وبذلك النصر ارتقت مكانة هنري الخامس، ومن ثم أصبح بطلًا أسطوريًا، يحتفي به الإنجليز، كأحد أعظم محاربيهم.
وبعد استكمال هنري استعدات جيشه، وتقوية صفوفه ، قام بإنشاء شبكة من التحالفات الدولية، لحصار الحكومة الفرنسية، ودعم سياساته، حيث استغل مجيء الإمبراطور سجسموند إلى إنجلترا، في عقد معاهدة تحالف معه في كانتربري عام 1416م، مما أفسد التحالف البحري لجنوه مع الفرنسيين، كما تمكن هنري بمهارته الدبلوماسية من تحييد موقف الدوق البورجندي، لحرمان فرنسا من تلقي أية مساعدات منه، وفي غضون ذلك خرج بحملته الثانية ما بين عامي 1417-1419م، والتي استهدفت السيطرة الكاملة على نورماندي، وقام بالغزو التدريجي لها، بداية من توكيس، ثم فرض حصار مُحكم على مدينة كاين التي استسلمت بعد شهر من المقاومة، إثر عدم تلقيها أية مساعدات من الحكومة الفرنسية، التي كانت غارقة في انقسامات الأحزاب وخلافتها الداخلية للسيطرة على الحكم، مما شجع الإنجليز، وفتح أمامهم الطريق للتقدم إلى قلب نورماندي، فبحلول ربيع عام 1418م، تمكنوا من إخضاع غرب وجنوب نورماندي، ثم زحفوا شرقًا، وفي 20 يوليو من العام نفسه عبروا ضفة نهر السين اليمنى، وفرضوا حصارًا على مدينة روان، عاصمة الإقليم، وإحدى أكثر مدن فرنسا تحصينًا، التي قاومت الحصار لنحو ستة أشهر، لتستسلم في19 يناير 1419م، تحت نيِّر المجاعة الشديدة، التي أودت بحياة الكثيرين من أبنائها، إثر غلق الإنجليز جميع منافذها، وعدم تلقيهم أية معونة من الحكومة الفرنسية.
مع بسط الإنجليز سلطانهم على معظم أراضي نورماندي، اتت الأحداث وفقًا لما اشتهته فُلك طموحاتهم، على إثر مقتل دوق بورجندي في مونتيروا على يد رجال ولى العهد الفرنسي الذي أثار ابنه الشاب فيليب الصالح، الذي أصبح مستعدًا لفعل أي شيء، من أجل الانتقام لقتله والده، حتى ولو كان الانضمام للإنجليز، الأمر الذي استغله هنري الخامس، فأرسل إليه يقترح التحالف، والسلام، ووضع هنري شروط غير محددوه، خاصة أن الدوق اتبع سياسة والده في السيطرة على الملك شارل السادس، الذي كان عاجزًا عن رؤية أي شيء إلا من خلاله، فكان الدوق المسئول الفعلي عن الحكومة الفرنسية، مما أدي لتوقيع معاهدة تروا في 21 مايو عام 1420م، التي أصبح هنري الخامس، بمقتضاها، وبزواجه من الأميرة كاثرين ابنه الملك الفرنسي وصيًا على، ووريثًا لـــ العرش الفرنسي، ولتأكيد الصفة القانونية للمعاهدة لم يغادر هنري فرنسا، إلا بعد دخوله باريس، برفقه الملك شارل السادس، وموافقة البرلمان الفرنسي رسميًا على تلك المعاهدة، واعترافه بها في ديسمبر عام 1420م، وهكذا أخذت تلك المعاهدة الصفة القانونية.
أعقب ذلك إقامة محاكمة ترأسها الملك الفرنسي شارل السادس وولي عهده الجديد هنري الخامس، حول قتله الدوق البورجندي، والتي أُدين فيها ولى العهد الفرنسي المخلوع الأمير شارل الذي رفض تلك المعاهدة، وما بها من شروط عدها مُذلة، أهدرت حقه في وراثة عرش بلاده وافقدته شرعيته (الدستورية) في بلوغ سدة العرش الفرنسي مستقبلًا، مما حدى به إلى تكوين جبهة مقاومة ضد الإنجليز ما لبثت أن ألتفت حولها جموع كبيرة من الشعب الفرنسي المؤيد لمطالبه والرافض لما جاء بالمعاهدة من إزعان حكومتهم المذل لإنجلترا، مما أشعل فتيل المقاومة الفرنسية الشعبية للوجود الإنجليزي على أراضيها، ومن ثم تشكيل ميلشيات، ما لبثت أن أثمرت جيشًا نظاميًا قويًا استطاع دحر (ونحر) الإنجليز في معركة بوجي، وإلقاء قائدهم في براثن منيته، مما هدد الوجود الإنجليزي، وحدا بالملك هنري الخامس إلى التعجيل بحملته الثالثة بهدف إقرار الأمن وتثبيت سلطته، وإنهاء حركات التمرد والثورات المشتعلة ضدة في الأراضي الفرنسية.
ورغم الانتصارات المتوالية لتلك الحملة، واستردادها العديد من المدن، إلا إنها لم تحقق للملك الإنجليزي مُبتغاه في القضاء على الأمير شارل، وإنهاء المقاومة الفرنسية المشتعلة ضده، مما أصابه بالمرض وذلل درب المنايا، للوصول إليه، وأفقد الإنجليز ملكًا عز أن يجود الزمان بمثله، وعقمت النساءُ أن يلدن نظيره، وزلزل الأرض الفرنسية تحت أقدامهم حتى ما لبثوا بعد عهد ليس بالطويل أن اضطروا إلى الجلاء عنها، وخسارة كل رابحوه إبان عهد ذلك الملك العظيم.