الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص فما أكثر ما اهتمّ النقاد والبلاغيون بالمعلقات؛ كونها ممثلة حقيقية للشعر الجاهلي، وكذلك الشعر في صدر الإسلام لجلال فترته، واهتموا بالنقائض الأموية؛ لإثرائها الأدب العربي بالمعاني الأليفة والغريبة، وسوَى ذلك من أشعار الأندلسيين وغيرهم. وطاب الحديث عندهم عن المفردات ـ وإن تجاوزت البيت الواحد ـ في الغزل والحكمة ، والفخر ، والمديح ، و..... كقولهم: أغزل بيت قالته العرب قول جرير:(1) إن العيون التي في طرفها حوَرٌ قتلننا ثم لم يحيين قتلانا<. واستحسنوا قول أبي ذؤيب(2) ـ كما في عيون الأخبار لابن قتيبة ـ : والنّفس راغبة إذا رغبتها وإذا تُردّ إلى قليل تقنع. ولا ننسى ـ بل نقدّم ـ قول نبيّنا صلى الله عليه وسلم : ”أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل”. متفق عليه. ما أكثر ما اهتم النقاد بهذا وذاك، إلا أنه في العصر الحديث كان لبعض الشعراء نصيب من اهتمامهم، أمثال البارودي و شوقي وحافظ إبراهيم وإبراهيم ناجي و.. أما شاعرنا عبد الرحمن شكري الذي أخرج ديوانه الأول قبل العشرين، ومع تزكية الكثير من أهل الفن له، واعترافهم بفضله وريادته، إلا أنه قد تغافلت عنه الأبصار قدرا ملحوظا ـ ربما لانعزاله واندفاع المدارس والشعراء حينما حدث ذلك ـ فلم يلتفت إليه أحد إلا قليلا، وربما لما وقع بينه وبين زميليه العقاد والمازني. وربما لشدّته في النقد الأدبي ـ مع عفّة لسانه ـ على تلاميذه وأقرانه، يقول الأستاذ عبد الحكيم الجهني وكان صديقا للشاعر ويعدّ نفسه تلميذًا له : ”إن الأستاذ شكري قد ساعد على ابتعاد تلاميذه عنه بقسوة نقده، ويمسك عصا الأستاذية عن جدارة، فينصرف الشاعر المنقود غير مستريح للهجة شكري، مع أن شكري حريص على النفع الأدبي لمن ينشد توجيها، وكان الشاعر الكبير خليل مطران يهش ويبشّ ـ أي للطلاب ـ ويطيل المدح، .... وكنت أقارن بين مسلكيهما فأودّ لو خفف شكري غلواءه” ويحكي عن شاعر مرموق حين عرض قصيدة على شكري فنقدها نقدا ضاق به الشابّ، وبعدها بفترة وجيزة أثنى شكري على قصيدة أخرى قرأها له، فتأكد الشاعر الشابّ أن الناقد موضوعي، وتحوّل السخط إلى حبّ وتقدير.” (1) ــ وربما لأسبابٍ أخرى قلّ ذِكرُ الشاعرِ عن غيره ممن يفوقهم، والناس يميلون إلى المعاني السهلة الرائقة، وكثيرهم يُعرِض عن العميقة الغائرة. وقد اخترت بحثي هذا (مباحث التراكيب في شعر عبدالرحمن شكري) لأسباب ذكرتها من قبل، فبدأت ـ بحمد الله ـ في قراءة أشعاره، وقصائده كلها، ودراسة المباحث البلاغية المقصودة، والتجوّل في بطون الكتب، حتى كان هذا البحث، وقد ضمّنته شواهد أخرى من القرآن الكريم، ومن الأدب العربي. |