Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
جمهورية ڤايمار الألمانية
(1918-1933م) /
المؤلف
محمد، محمود محمد صبحي.
هيئة الاعداد
باحث / محمود محمد صبحي محمد
مشرف / احمد محمد حسن
مشرف / وجيه عبد الصادق موسي
مناقش / خالد مكرم فوزي
الموضوع
qrmak
تاريخ النشر
2021
عدد الصفحات
268 ص. :
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
التاريخ
تاريخ الإجازة
8/1/2021
مكان الإجازة
جامعة الفيوم - كلية الاداب - التاريخ الحديث والمعاصر
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 267

from 267

المستخلص

ذاتها،
طالب القادة الألمان بالصلح، لكن الحلفاء وعلى رأسهم ويلسون رئيس الولايات المتحدة
الأمريكية والجنرال فوش القائد العام للحلفاء صرحوا بألا تصالح مع النظام
الإمبراطوري الغاشم، إلا إذا كان نظاما ديمقراطيا، وأثناء هذا الضغط من جانب الحلفاء
كان الشعب الذي عانى مرارة الجوع وقسوة البرد في الشتاء، وأسقمه الشقاء، وأفزعته
هزيمة جيوشه، وتمرد بحارته، وكثرة أسراه، وانسحاب أنصاره، طالب بالخروج من
هذا المأزق بأي ثمن، فهنا تحول النظام الملكي إلى ديمقراطي، ونشأت جمهورية ڤايمار
في الفترة من 9 نوفمبر 1918 إلى 1933م، نتيجة لخسارة الألمان في الحرب العالمية
الأولى، لتقليل أكبر قدر من آثار الهزيمة، وهي أول نظام ديمقراطي في البلاد لم تقم
الجمهورية بفعل حركة شعبية قوية لها أصول في المجتمع الألماني، بل فرضت عليهم
من الخارج، لذا كان تأسيسها ضعيفا منذ البداية.وتميزت هذه الفترة بكثرة الاضطرابات والمظاهرات والفوضى، وانتشار
ثورة البلوريتاريا، التي كانت ترمي إلى إنشاء جمهورية شيوعية على غرار النظام
الشيوعي في روسيا، وكان يحركها جماعة انشقت عن الاشتراكيين الديمقراطيين،
وسمت نفسها حزب الاشتراكيين الديمقراطيين المستقل، كما شارك في تلك
الاضطرابات الحزب الشيوعي، المعروف باسم اتحاد سبارتاكوس، فتخوف الحزب
الاشتراكي الديمقراطي أصحاب الأغلبية من ذلك، وأسرع بإعلان الجمهورية في التاسع
من نوفمبر عام 1918م.
وكان المستشار ماكس بادن قد تنازل لإيبرت زعيم الحزب الاشتراكي
الديمقراطي عن المستشارية، كما أن المجالس الشعبية اختارت في 10 نوفمبر سنة
1918 مجلسا لممثلي الشعب، عهد برئاسته إلى إيبرت ليتولى حكم ألمانيا بصورة
مؤقته، وقد استطاع إيبرت بمساعدة الجيش القضاء على تلك الثورات، وإحباط خطة
الشيوعيين؛ وبتحالف الجمهورية مع الضباط المناصرين للنظام الملكي الإمبراطوري
القديم قضي عليها منذ اليوم الأول لولادتها, كما تميزت تلك المرحلة -أيضًا- بتوقيع
الهدنة في 11 نوفمبر 1918 بفرنسا.
وقد رأى إيبرت وحزبه أن تقوم جمعية وطنية بالانتخابات، لتضع لألمانيا
نظاما ديمقراطيا, فتم انتخاب الجمعية الوطنية في 19 يناير 1919، وكان الحزب
الاشتراكي الديمقراطي أقوى أحزاب الجمعية، إلا أنه لم يحز على الأغلبية المطلقة،
حتى لو اتحد مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي المستقل، واضطر الحزب الاشتراكي
الديمقراطي إلى الدخول في تحالف مع حزب الوسط، والحزب الألماني الديمقراطي،
ليكونوا ثلاثتهم ما سمي بتحالف ڤايمار.
وكون الحزب الاشتراكي الديمقراطي المستقل مع حزب الشعب الألماني،
وحزب الألمان الوطنيين المعارضة، وانعقد المجلس الوطني في ڤايمار يوم 6 فبراير
عام 1919م، واختار إيبرت رئيسا رسميًّا للبلاد، بأغلبية بلغت 277 من أصل 379
صوتًا، وكون تحالف ڤايمار من بين رجال أحزابه حكومة للرايخ، كما وضع المجلس -
أيضًا- دستورا للبلاد، أعلنه الرئيس في ڤايمار يوم 11 أغسطس عام 1919م.
2
وقد أظهر الدستور نموذجا فريدا؛ حيث كان أكثر وثيقة ديمقراطية ليبرالية
عرفها القرن العشرين، وكاد أن يكون كاملًا في إجراءاته، حافلًا بالابتكارات الرائعة
التي بدت وكأنها خير ضمان لاستمرار الديمقراطية السليمة؛ إذ اقتبس الدستور فكرة
الحكومة الممثلة في مجلس الوزراء من إنجلترا، وفرنسا، وفكرة رئيس الجمهورية
القوي المنتخب من الشعب من الولايات المتحدة، وفكرة الاستفتاء من سويسرا، واخترع
نظاما دقيقا ومعقدا للتمثيل المعياريّ والاقتراع، عن طريق القوائم، للحيلولة دون ضياع
الأصوات، ولأعطاء الأقليات الصغيرة الحق في التمثيل في البرلمان.
ومن أهم نصوص الدستور أن السيادة للشعب وأن السلطة السياسيَّة مستمدة
منه، وكذلك أعطى جميع الرجال والنساء ممن بلغوا العشرين من العمر حق الانتخاب،
وقرر -أيضًا- أن جميع الألمان متساوون أمام القانون، وأن الحرية الشخصية مصانة لا
تمس، وأن لكل ألماني الحق في التعبير عن رأيه بكل حرية.
وأكد الدستور على أن جميع سكان الرايخ يتمتعون بالحرية المطلقة في
العقيدة والفكر، وكذلك قضى بأنه لن يكون هناك شخص في العالم أكثر حرية من
الألماني، وأنه لن يكون هناك أي حكومة أكثر ديمقراطية وليبرالية من الحكومة
الألمانية، وعهد الدستور بالسلطة التنفيذية إلى رئيس الجمهورية، على أن يكون رئيسا
لا سلطة له في الأحوال العادية، ودكتاتورا في الأحوال الخاصة، وينتخب بواسطة
الشعب مباشرة كل سبع سنوات، وهو الذي يمثل الرايخ وتعقد باسمه الاتفاقيات مع
الدول الأخرى، وهو الذي يعين مستشار الرايخ ويعزله، ويمكنه تعطيل أجزاء من
الدستور، إذا تعرض أمن ونظام الدولة لخطر جسيم.
ووضع الدستور السلطة التشريعية في يد الرايخستاج، وهو الممثل لإرادة
الشعب، وحدد الدستور انتخاب الرايخستاج، كل أربع سنوات بانتخابات عامة ومباشرة،
ونص الدستور على أن مستشار الجمهورية والوزراء مسئولون أمام الرايشستاج
"البرلمان"، الذي يمكنه أن يسحب الثقة من الوزراء، ويجبرهم على الاستقالة.
وكان بجوار الرايشستاج مجلس آخر هو البوندسرات Bundesrat، أو
مجلس ممثلي الأقاليم وكان استشاريا، ومن حقه معارضة ما يصدره الرايشستاج من
قوانين، وقد حقق الدستور بذلك التوازن بين الرئيس، والمستشار، والبرلمان؛ حيث يقوم
الرئيس باختيار المستشار من بين أعضاء البرلمان، ثم يختار المستشار الوزراء من بين
أعضاء البرلمان -أيضًا-، ويستطيع البرلمان المطالبة بتغيير المستشار، وكذلك الرئيس
باستطاعته حل البرلمان على أن يجرى انتخابات جديدة خلال ستين يوما، وبهذا
أصبحت الحكومة الألمانية أول مرة مسئولة عن الشعب.
ولكن ظلت الجمهورية قائمة على أساس اتحاد فيدرالي، أي ظلت مؤلفة من
الولايات المستقلة، التي كانت تؤلف الإمبراطورية، ولها برلمان يُنْتَخب أعضاؤه على
أساس من التمثيل المعياريّ، بدلا من أن ينتخب المواطنون مرشحين معينين، لتمثيل
دائرتهم الانتخابية الخاصة؛ حيث تقسم ألمانيا من الوجهة الانتخابية إلى خمس عشرة
دائرة، ثم يعرض على الناخبين قوائم كاملة تحتوي على أسماء مرشحي كل حزب من
الأحزاب في كل من هذه الدوائر، فيقترع الناخب إلى الحزب لا لمرشح خاص، وكل
حزب له الحق في ممثل واحد في الرايخستاج، مقابل كل ستين ألف صوت ينالها في
الانتخابات.
ولكن هذا الدستور أثبت ضعفه في العديد من النقاط، أولها: أن نظام التمثيل
النسبي والاقتراع عن طريق القوائم للحيلولة دون ضياع الأصوات، أدى إلى زيادة عدد
الأحزاب الصغيرة، التي جعلت استقرار الأغلبية في الرايشستاج أمرا مستحيلا، ممَّا
أدَّى إلى التبدل المستمر في الحكومة، فلم يحدث أن فاز حزب واحد بالأغلبية الساحقة،
كما أن المادة الثامنة والأربعين من الدستور كانت تعطي لرئيس الجمهورية سلطات
3
دكتاتورية في حالات الطوارئ، وأدى استخدام هذه المادة بشكل كبير من قبل
المستشارين بعد موافقة الرئيس، إلى تمكينهم من الحكم دون موافقة الرايشستاج، فانتهى
الحكم البرلماني حتى قبل وصول هتلر إلى الحكم.
وأثناء سن الدستور كان مؤتمر الصلح قد عقد، في قاعة المرايا بباريس في
18 يناير عام 1919، برئاسة ويلسون رئيس الولايات المتحدة، ولويد جورج رئيس
وزراء إنجلترا، وكليمنصو رئيس وزراء فرنسا، وجرى إعلان بنود المعاهدة في برلين،
في الثامن من مايو عام 1919م.
ولقد انطوت تلك البنود على أمور مجحفة، فرضها الحلفاء على ألمانيا دون
مفاوضات معها، منها: عد ألمانيا مسئولة عن قيام الحرب، وأعيدت الألزاس واللورين
إلى فرنسا، وضم أغلب مقاطعات بروسيا الغربية، وبوزن، وجزء من بوميرانيا إلى
بولندا, وتأخذ لتوانيا إقليم الميمل، والتشيكوسلوفاكيا إقليم هولشتين، ويسلب من ألمانيا
جميع مستعمراتها، كما يتم اقتطاع أراضي منها تبعا لنتائج الاستفتاء، فيجرى استفتاء
في شمال شليسفيج، وفي منطقة آلنشتين، ومارين فردر، وفي منطقة أوبين، ومالميدي،
ومنطقة سيليزيا العليا، وإعطاء فرنسا حق استغلال مناجم فحم إقليم السار لمدة 15 عام،
ويوضع تحت إشراف عصبة الأمم، وبعد الخمسة عشر عاما يجرى استفتاء في الإقليم،
عما إذا كان يريد العودة إلى ألمانيا, وعلى ألمانيا أن تعترف باستقلال الأقليات في النمسا
والمجر استقلالا تاما، وتتنازل عن المطالبة بدخولها في الرايخ.
وعلى الجيش الألماني ألا يزيد في المستقبل عن مائة ألف رجل، ويحرم
على ألمانيا تكوين سلاح جوي، كما يحرم عليها كذلك التجنيد الإجباري، وعلى ألمانيا
أن تسلم أغلب ما لديها من مواد حربية، وغواصات، وأسطولها البحري، وألا تقيم أية
تحصينات في المنطقة شرق نهر الراين، وبمسافة عرضها 50 كيلو مترًا، على أن تبقى
هذه المنطقة، والمنطقة على يسار نهر الراين، محتلة بواسطة قوات الحلفاء، وأن يحاكم
القيصر وعدد من المتهمين الألمان، بتهمة خرق الاتفاقيات الدولية.
كما فرض على ألمانيا دفع غرامة حربية باهظة، وتعويضات غير محدَّدة،
تدفع لدول الحلفاء عما أصابهم في الحرب، حتى تعويضات لمعاشات القتلى والجرحى،
قدرت بأكثر من 132 مليار مارك ذهبي، وخصص الحلفاء لجنة تشرف على تنفيذ ذلك
بالقوة.
جاءت هذه البنود ضربة مذلة لشعب ظل يخدع نفسه بأوهام صلح عادل،
على أساس مبادئ ولسون الأربعة عشر، ونظرا إلى أن ألمانيا والحكومة الناشئة لا
تستطيع مواجهة حرب جديدة، وافقت على توقيع المعاهدة في 28 من يونيو عام
1919م، فانتشرت المظاهرات الرافضة لها وللجمهورية الناشئة في طول البلاد
وعرضها.
وعندما تأخرت ألمانيا في إرسال شحنات الفحم والأخشاب إلى الحلفاء التي
وعدت بها، احتل الفرنسيون بمساعدة البلجيك قلب ألمانيا ذاتها -منطقة الروهر- بمائة
ألف جندي، في يناير عام 1923، فانهار المارك الألماني وأصبح لا يساوي شيئا، حتى
وصل سعر كيلو الخبز في نوفمبر سنة 1923 إلى 201000000000 مارك،
فانتشرت المظاهرات والمؤامرات الرامية إلى قلب نظام الحكم، في برلين، وساكسونيا،
وميونيخ، كانقلاب كاب، وانقلاب حانة الجعة، فواجهت الجمهورية الاضطرابات من
اليمين واليسار على السواء؛ كما تميزت هذه المرحلة -أيضًا- بانتشار الفقر، والمجاعة،
والانحلال الأخلاقي، وانتشار الرذيلة.
المرحلة الثانية: مرحلة سياسة المصالحة مع الحلفاء، والاندماج في المجتمع الدولي
وتمتد من 1924 إلى 1929، وكان قائد هذه السياسة المستشار ستريسمان
رئيس حزب الشعب الألماني ووزير الخارجية، الذي وصل إلى اقتناع بأنه إذا كانت
4
الغاية هي إنقاذ ألمانيا وتوحدها واستعادة قوتها، فلابد من التفاهم مع الحلفاء، والحصول
على فترة من الهدوء لاستعادة القوة الاقتصادية، والمكانة الدولية، ونجحت فعلا هذه
السياسة، وآتت أكلها بحدوث بعض التسويات التي استفادت منها البلاد كثيرًا، كتسوية
داوز عام 1924، واتفاقية لوكارنو عام 1925، ودخول ألمانيا عصبة الأمم عام
1926، ومشروع يونج عام 1929.
وبدأت في تلك الفترة تتدفق على برلين الأموال والقروض الأجنبية، وخاصة
الأمريكية، فانتعشت الصناعة الألمانية، وازدادت الصادرات ازديادا مطردا، حتى بلغت
المستوى التي كانت عليه قبل الحرب.
وتم الجلاء عن أرض الروهر، ونجح ستريسمان كذلك في إخراج ألمانيا من
عزلتها التي فرضتها عليها معاهدة فرساي، كما استطاع أن يفاوض الحلفاء على الجلاء
عن أرض الراين، في موعد أقصاه 30 يونيه 1930، أي قبل الميعاد التي حددته
معاهدة فرساي بخمس سنوات، وسميت هذه الفترة بالعهد الذهبي.
وبينما كانت روح التفاؤل تسود بين ألمانيا والحلفاء مات ستريسمان في 3
أكتوبر عام 1929م، وخسرت ألمانيا بوفاته سياسيًّا من الطراز الأول، والحاصل على
جائزة نوبل للسلام عام 1926؛ بل الأصعب من ذلك أنه في السنة نفسها وقعت الأزمة
الاقتصادية العالمية التي طحنت العالم، فكان نصيب ألمانيا منها كبيرا، فدخلت البلاد منذ
ذلك الوقت في نفق مظلم.
المرحلة الثالثة : تمتد من 1929 إلى 1933م
وتميزت هذه المرحلة بانتشار الأزمة الاقتصادية في جميع أنحاء العالَم،
فطالبت أمريكا برلين بأن تعيد إليها أموالها التي أقرضتها لها، لكي تواجه هي الأخرى
الأزمة، في الوقت الذي طالبت فيه –فرنسا بأن تستمر ألمانيا في دفع التعويضات،
وسحبت الأموال الأمريكية في الحال، فتأثرت بذلك دوائر الأعمال المالية في ألمانيا.
واضطر البنك المركزي الألماني إلى استخدام ماله الاحتياطي، وعجز عن
مد يد المساعدة إلى البنوك الأخرى، فاضطر عدد منها إلى تصفية حساباته، وغلق
أبوابه، وتفشت البطالة لاضطرار المصانع إلى الاستغناء عن معظم عمالها، حتى أربى
عدد المتعطلين عن 20 مليون عاطل، أي ثلث السكان تقريباً، وانتشرت المجاعة،
وعمت المظاهرات، وعجز المستشارين الألمان في مواجهة هذا البركان الثائر، فبدأوا
يحكمون بأحكام الطوارئ، دون الرجوع إلى البرلمان مما كان هبة من السماء لتعيين
نجم جديد أخذ يلمع في سماء ألمانيا.
لقد استطاع أدولف هتلر أن يجذب الجماهير بخطبه الرنانة، ووطنيته
الزائدة، فلم يجد الرئيس هندنبرج مفرا من تعيينه مستشارا في 30 يناير عام 1933،
وبعد تولي هذا الرجل الذي ذاق مرارة الهزيمة مهام منصبه، أخذ يعمل على السيطرة
على الوزارة والدولة، للقضاء على جمهورية ڤايمار، فعمد هتلر إلى حل الرايشستاج،
لإجراء انتخابات جديدة، وقام بأنجح حملة دعاية انتخابية لم تعرفها ألمانيا من قبل,
مجددا عهده للشعب بإعادة مجد ألمانيا.
انتهز هتلر فرصة شبوب حريق في مبنى الرايشستاج يوم 27 فبراير عام
1933م، فألصق التهمة بالشيوعيين، ونكل بهم، وكسب أصوات الكثيرين من المتخوفين
من الخطر الشيوعي، كما استصدر مرسوما من رئيس الجمهورية بتعطيل أجزاء من
الدستور، لحماية الدولة من خطر الشيوعيين، وجاء يوم 5 مارس عام 1933 موعدا
للانتخابات، وحصل الحزب النازي على 288 مقعدا، ولكنها كانت -على أية حال- نسبة
لا بأس بها، فقد نال النازيون نحو 5 ملايين ونصف مليون من الأصوات، ولم تكن
مقاعد النازيين التي حصلوا عليها تشكل بمفردها أغلبية في المجلس، الذي بلَغ عددُ
أعضائه 647 عضوا، ولكن الحزب الوطني المتحالف مع هتلر في الحكومة حصل
5
على 52 مقعدا، وبهذا أصبح لحكومة هتلر 340 مقعدا تمثل الأغلبية المطلقة في
المجلس، وإن كانت لا تمثل أغلبية الثلثين، التي كان هتلر يطمح في الحصول عليها.
وبعد أن حصل هتلر على الأغلبية في الرايشستاج بالدعاية والإرهاب -إلى
حد كبير- بدأ في تنفيذ مخططه، للانفراد هو شخصيًّا بالسلطة، فقدم للرايخستاج يوم 23
مارس عام 1923م مشروع قانون الصلاحيات، ووافق البرلمان بأغلبية 441 صوتًا
ضد 84 على هذا القانون، الذي جعل السلطة كلها في يد هتلر، فبمقتضاه خول لهتلر
حق تشريع القوانين لمدة أربع سنوات، دون الرجوع إلى الرايخستاج، والإشراف على
ميزانية الرايخ، وحق الخروج على الدستور، وعقد المعاهدات مع الدول الأجنبية.
وبهذا أصبح البرلمان نفسه ألعوبة في يد هتلر، أما رئيس الجمهورية العجوز
فلم يكن يملك من أمره شيئا، واكتفى بما صرح به هتلر في تلك الجلسة، من أن
صلاحيات رئيس الجمهورية ستظل كما هي، وانطلقت كتائب العاصفة والحرس النازي
التابعة للحزب في مظاهرات تملأ شوارع برلين، احتفالا بهذا النصر العظيم، وبدأ هتلر
في القضاء بمقتضى تلك السلطات على كل من لا يناصره، ثم توجه إلى الأحزاب يكيل
لها الضربات حزبا تلو الآخر، حتى الحزب الوطني الذي ألف معه الحكومة، ووصل به
إلى السلطة، لم يسلم من الاستيلاء على مكاتبه، وفي 14 يوليو 1933 حرم هتلر قيام
أي حزب آخر عدا الحزب النازي.
كما أصدر أوامره بحل كل نقابات العمال، واعتقل الكثير من زعمائها،
وأجريت الانتخابات مرة أخرى في الرايخستاج في 12 نوفمبر عام 1933، ولم يتقدم
لها سوى الحزب النازي، ليحصل على 92 في المائة من الأصوات فكان نصرا مؤزرًا.
وكادت جمهورية ڤايمار أن تصبح أثرا من الماضي البعيد، والشيء الوحيد
الذي كان يحفظ لها وجودها رسميًّا هو الرئيس هندنبرج، الذي بلغ من العمر عتيا، وكان
واضحا أن المارشال العجوز يسير نحو قبره، وأن الأيام الباقية له معدودة، وفي الساعة
التاسعة من صباح الثاني من أغسطس عام 1934 فاضت روح هندنبرج لربه، وانقطع
بذلك الخيط الدقيق الذي كان يربط ڤايمار بالحاضر، وعقد احتفال بجنازته، وحضر كل
الحرس القديم ليؤدي التحية الأخيرة، وأمام التابوت وقف في الصف الأول كل من:
جورنج، وأوسكار هندنبرج، والمارشال فون ماكنزن، وفون بلومبرج، ثم جاء هتلر
والعيون كلها عليه ليرث المارشال، وأعلن بعد ثلاث ساعات من وفاة الرئيس أنه -بناءً
على القانون الذي أصدره مجلس الوزراء في نفس اليوم- تم الجمع بين مركز الرئيس
والمستشار، وأن أدولف هتلر قد تولى سلطات رئيس الدولة، والقائد الأعلى للقوات
المسلحة، وأُلْغِي لقب رئيس الجمهورية الذي استحدثته ڤايمار، وتقرر أن يعرف هتلر
باسم الفهرر ومستشار الرايخ.
وهكذا غدا الفهرر الجديد الدكتاتور المطلق على الدولة، والشعب، والجيش
الذي دعا قواته في الثالث من أغسطس إلى القسم باليمين الآتية: "أقسم بالله قسما مقدسا
بأن أقدم الطاعة العمياء إلى أدولف هتلر، زعيم الرايخ الألماني وشعبه، والقائد الأعلى
للقوات المسلحة، وأن أكون مستعدا كجندي باسل للتضحية بحياتي في سبيل الوفاء بهذا
القسم".
وفي التاسع عشر من أغسطس استفتي الشعب الألماني على هذا الوضع
الجديد، وأيدته الأغلبية المطلقة بنسبة 90%، وبموت المارشال هندنبرج مُحي رسميًّا
وعمليا آخر أثر من آثار جمهورية ڤايمار، ثم جاء هذا الاستفتاء فوضع النهاية التامة
لها، وأصبحت شيئا من الماضي.