الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص قديمًا ربط الفلاسفة بين الفلسفة والعلم ، فجعلوا منها أم العلوم ، وحديثًا على عهد ديكارت جعل من الفلسفة العلم الكلي وشبهها التشبيه الشهير بشجرة جذرها الميتافيزيقا ، وجذعها علم الطبيعة ، وفروعها هي كل العلوم الأخرى التي ترجع إلى ثلاثة علوم أساسية ، وهي : الطب والميكانيكا والأخلاق . ودراستنا هذه تستعرض بعض جوانب هذه الصورة ، فتتناول فيلسوفين معاصرين ، هما: الفيلسوف الفرنسي العلمي المعاصر جاستون باشلار، والفيلسوف العربي المعاصر زكي نجيب محمود ، وعلى الرغم من أن كلاً من باشلار وزكي نجيب محمود اهتما بالعلم في علاقته بالفلسفة إلا أننا نجد لديهما نظرة جديدة في نقد العلم ، وهما ينتقدان العلم على المستوى النظري للعلم أو على المستوى التكنولوجي أو الجانب التقني فيه. ويسعى كل من باشلار وزكي نجيب محمود إلى التركيز على مدى تغلغل الفكر العقلي في الفكر العلمي في عصر العلم الراهن ، إلى التأكد من صدق النظريات العلمية، وفي سبيل ذلك يرون وجوب الاعتماد على التجربة، ثم تجاوز باشلار وزكي نجيب محمود الفكر التجريبي لينتقلا منه إلى الجانب العقلي الرياضي في سبيل الحكم على صدق هذه النظريات ، وهما يؤكدان بذلك على قصور الفكر التجريبي في هذا المجال منطلقين من مبدأ مؤداه أن الفكر النظري العقلي يجب أن يأخذ وضعه جنبًا إلى جنب مع الفكر التجريبي ، ومن هنا أطلقنا على فلسفة باشلار اسم ”العقلانية العلمية” نظراً لاحتوائها وتأكيدها للجانب العقلي التجريبي في العلم، كما أطلقنا على فلسفة زكي نجيب محمود اسم ”التجريبية العلمية” لأنها مبنية على التجربة العلمية. على أن السمة المميزة التي تميز الفكر المعاصر هي ازدياد التوفيق قدمًا بين العقل والتجربة ، وتلاشي الصراع القديم بين العقلانية والتجريبية ؛ إذ أخذت العقلانية تسير نحو المرونة من خلال محاولات يصيبها الإخفاق حينًا وحينًا آخر يصيبها التوفيق وإذا بها - بصورتها هذه - تتفق مع التجريبية الأصيلة. إن الموقف الفلسفي الجديد الذي يقفه باشلار هو موقف عقلاني لا يتناقض مع التجربة ، بل إنه موقف عقلاني يفترض وجود التجربة حتمًا ، لأن التجريبية إذا كانت لها قيمتها في الخطوات الأولى من البحث وفي معاودة البدء فإنها مطالبة بأن تندرج في محيط عقلي ومادي في الآن نفسه ، هذه العقلانية هي عقلانية تهتم بالتفاصيل ، عقلانية تسير في طريق شاق ، عقلانية تدريجية بل إنها فوق عقلانية ، ويعد العمل الفلسفي والعلمي الذي قدمه لنا باشلار ذا شقين : أحدهما علمي ، والآخر شاعري ، والواقع أن باشلار حذرنا مرارًا من ضرورة عدم الخلط بينهما ، ففي الشق العلمي من فلسفة باشلار لابد أن نذكر أن العلم عنده فعل ، وليس تصورًا ، وهو فعل يستبعد ويطرد فكرة النظرية التي تدعو إلى مجرد التكامل فقط ، والتجريد في العلم يعتبره باشلار من أشد الأفكار معاداة للعلم نفسه وأخطرها ، باعتبار أن التوصل إلى الحقيقة لا يتم عن طريق التأمل ، وإنما يتم عن طريق البناء والخلق والإبداع ، وأن العقل يكتشف ، بل ويصنع الحقيقة عن طريق التعديلات المستمرة والنقد المستمر والجدل الدائم . |