الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص فإن علم الفقه من أشرف العلوم وأفضلها ، فبه تعرف صحة العبادة وسلامة المعاملة ، وبه نعرف الحلال فنأخذه ، والحرام فنتركه فهو معيار تقدم الأمة الإسلامية أو تأخرها ، فبازدهاره تزدهر ، وبجموده تجمد وتتأخر ، وهو أفضل ما يصرف فيه الإنسان وقته وجهده ، قال صلى الله عليه وسلم : ” من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين” ونظرا لفضل هذا العلم ، فقد بذل الفقهاء المجتهدون كل ما في وسعهم لاستنباط أحكامه الشرعية من أدلتها التفصيلية ، فكثرت المسائل والفروع الفقهية ، بحيث أصبح من الصعب على الفقيه ضبطها والإلمام بها كاملة ، فاتجهت أنظار الفقهاء إلى إيجاد وسيلة تسهل الإحاطة بمعظم هذه الفروع ، فأسسوا علم (قواعد الفقه) الذي يجمع مجموعة من الفروع التي تشترك في علة واحدة ، وتربطها رابطة واحدة ، سواء كانت من باب واحد او من أبواب متفرقة ، وصاغوها بأسلوب محكم يجمعها مع نظيراتها ، ويمنع ما سواها. ولأن الفقه كما يقول القرافي : ” وإن جل إذا كان مفترقا تبددت حكمته ، وقلت طلاوته وبعدت عن النفوس طلبته ، وإذا رتبت الأحكام مخرجة على قواعد الشرع مبنية على مآخذها نهضت الهمم حينئذ لاقتباسها ، وأعجبت غاية الإعجاب بتقمص لباسها لهذا كانت قواعد الفقه أسلوبا علميا راقيا يجمع فروع الفقه ومسائله المتفرقة ، كما أنها أسهمت في إكساب الفقه القدرة على استيعاب تطورات الحياة ومتغيراتها المتسارعة ، وذلك من خلال تقعيد مسائله ، لضبط فروعه وجزئياته ولم شتاتها من أبوابه المتعددة ، بل وعد الفقهاء من لا يعتني بتحصيلها غير ضابط للفقه مغلوبا على أمره فيه. فالإمام القرافي في كتابه الفروق يقول : ”... من ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات ، لاندراجها في الكلياتت ، لأن حفظ الجزئيات وفروعها يستحيل أن يقدر عليه إنسان لكن حفظ الكليات يدخل تحت الإمكان...”. إلى أن يقول : ” وهذه القواعد مهمة في الفقه ، عظيمة النفع ، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف ، ويظهر رونق الفقه ويعرف ، وتتضح مناهج الفتوى وتكشف قال الإمام السبكي رحمه الله : ” حق على طالب التحقيق ، ومن يتشوف إلى المقام الأعلى في التصور والتصديق ، أن يحكم قواعد الأحكام ليرجع إليها عند الغموض ، وينهض بعبء الاجتهاد أتم نهوض ، ثم يؤكدها بالاستكثار من حفظ الفروع لترسخ في الذهي مثمرة عليه بفوائد غير مقطوع فضلها ولا ممنوع. أما استخراج القوى ، وبذل المجهود في الاقتصار على حفظ الفروع من غير معرفة أصولها ونظم الجزئيات بدون فهم مأخذها ، فلا يرضاه لنفسه ذو نفس أبية ، ولا حامله من أهل العلم بالكلية إلى أن يقول :.. وإن تعارض الأمران وقصر وقت طالب العلم عن الجمع بينهما ، لضيق أو غيره من آفات الزمان ، فالرأي لذي الذهن الصحيح الاقتصار على حفظ القواعد وفهم المآخذ |