Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
قضية النور المحمدى اصولها التاريخية واثارها الدينية بين الفكر الشيعي والصوفي حتى نهاية القرن السابع الهجري :
المؤلف
مصباح، مها سمير محمد.
هيئة الاعداد
باحث / مها سمير محمد
مشرف / عبد الحميد عبد المنعم
الموضوع
الفكر الشيعي.
تاريخ النشر
2012.
عدد الصفحات
413 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
العلوم الاجتماعية (متفرقات)
تاريخ الإجازة
1/1/2012
مكان الإجازة
جامعة القاهرة - كلية دار العلوم - الفلسفة الاسلامية
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 416

from 416

المستخلص

بعد التطواف السابق في البحث يمكن تبين النتائج التالية :
أولا: أنه قد تميزت في الفكر الإسلامي ثلاث دوائر لكل منها خصوصيتها في تناولها لمسألة ”نور النبي r” كانت الأولى دائرة أهل السير والتراجم، والثانية دائرة أهل التشيع، والثالثة دائرة أهل التصوف. وجاء تناول أهل كل دائرة متوافقًا مع الهدف الذي استهدف به أهلها توظيف الكلام فيها طبقًا لمقتضيات الخطاب في كل دائرة.
فلما كانت الغاية بالنسبة لأهل السير والتراجم تسجيل المناقب والمآثر دون أن يتم ترتيب أي أمر اعتقادي عليها تسامحوا في الرواة فقبل من كل مَن لم يكن متهما بالوضع وإن كان غير بيِّن الوثاقة. على حين جمع الشيعة من كل حدب الأخبار الواردة في المآثر إلا أنهم زادوا فرتبوا عليها قولهم بانحصار الإمامة في الاثنى عشر، وترخصوا في شروط عدالة مَن تقوم على أكتافهم حجج المذهب من أهل الأخبار وقيل في شأنهم: إنهم لا مطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم.
وأما الصوفية فلا يمكن القول أنهم استمدوا الصفات الأسطورية والنظريات الفائقة التي اعتقدها الشيعة في النبي r والأئمة بناء على ما قد يرد في كتبهم من أحاديث عن مناقبه وخصائصه r. ) وذلك لأن تلك الأحاديث أيًّا ما كانت مرتبتها فهي تجمع بين أمرين: أولهما أنها لم تخرج عن دائرة ما قد ورد في كتب الحديث والسيرة لأهل السنة من خصائص ومناقب، وثانيهما -وهو الأهم- أنهم لم يرتبوا أي أمر اعتقادي على تلك الخصائص.
ثانيًا: أن أبرز أوجه الخلاف بين الشيعة والصوفية في قضية ”النور المحمدي” أن الشيعة يعرضون لها كذريعة لمنع المعارض عن المطالبة بما قصروه هم على الأئمة الاثنى عشر فقط. ومسلكهم في ذلك الاستدلال بالأخبار المنسوبة إلى الأئمة. وهي مسألة جوهرية في المذهب الشيعي فلا يكاد يوجد شيعي -بعد الغيبة الكبرى- لا يسلم بها. في حين أنها عند الصوفية من الأمور الكشفية الشهودية التي قد يُكاشف بها البعض ويشهدها على هذه الصورة التي تكلموا عنها وقد لا يكاشف بها البعض الآخر ولكن يُسلم بها ما دامت لا تخرج عن السقف العام الذي كل ما بان عنه يُرد لأنه في هذه الحالة سيعارض أصلا من الأصول الشرعية ويكر عليها بالبطلان.
ثالثًا: لعله قد برز من خلال هذا البحث أن هناك خلاف منهجي بين الشيعة والصوفية في استخدام كل منهما للتأويل والتشبيه. فالصوفية -من أهل السنة- يلتزمون في التأويل ألا يعارض أصلا من أصول الشريعة، وهم وإن جروا في نظرهم واعتبارهم مجرى العرب في كلامها باستعمال الاستعارات والمجاز بأدنى شبه وأيسر صفة تجمع بينهما مع عدم مشاركة المشبه للمشبه به إلا في وجه الشبه فقط.
وأما الشيعة الإمامية فيلتزمون في التأويلات ألا تعارض مذهبهم وإن كرت على أصل من أصول الشريعة بالبطلان، كما يجرون التشبيه إذا تعلق بتشبيه علي t بالنبي r تحديدًا في كافة الوجوه المتبادرة في الذهن بينهما -وكأن مبنى التشبيه لديهم على المطابقة لا المشابهة- حتى أنهم لا يستثنون إلا ما أخرجه الدليل فقط. وذلك على خلاف صنيع أهل اللغة الذين يجرون التشبيه -بين المشبه والمشبه به- في وجه الشبه فقط لا في كافة الوجوه المتبادرة.
رابعًا: أن نورانية الأئمة التي ينبني عليها لزوم وجود إمام لحفظ الدين وتفسير القرآن الكريم من المفاهيم الحاكمة للمذهب الاثنى عشري جملة ومن الأمور المفصلية الفارقة بينه وبين غيره من المذاهب بغض النظر عن كون الشيعي من الإخباريين أو الشيعة العدلية.
وينبني على هذا تفرقة علماء الشيعة أنفسهم بين قولهم في علوم الأئمة الإلهامية وبين وقوع الإلهام لغير الأئمة إذ كل وجه من وجوه التمايز بين الوحي بالمعنى الاصطلاحي الشرعي المخصوص بالأنبياء وما يعرض للأئمة من إلهام تعرض للاجتزاء في التصور الشيعي:
1. فما يرد على الأئمة مقطوع بصدوره عنه I، لأنه جعل طاعتهم مفروضة على الخلق فالغرض من نصب إمام مفترض الطاعة هو حفظ الشريعة من التحريف أو عدم فهم أمر وارد فيها.
2. أن الوحي وإن كان من خواص النبوة إلا أن مفهوم كل من النبوة والإمامة شديد التداخل فإمامة النبي u رتبة أعلى من رتبة النبوة فقط، على حين أن إمامة غير النبي مع النبي r هي الجزء الضامن لاستمرار النبوة. فكأن تبليغ شرع الله I مقرون بوجوب وجود شخص مفترض الطاعة يقوم بالنيابة عن الله I في تبليغ شريعته وحفظها. وهذا التبليغ أمر كلي يصدق على كثيرين يندرج ضمنه النبي والإمام. والفرق الوحيد بينهما أنه في الأول بالأصالة وفي الثاني بالتبعية.
وعلى ذلك ففي وجوب وجود إمام مفترض الطاعة -على هذا النحو الذي قالوا به- تعدي على مفهوم ختم النبوة به r المجمع عليه.
خامسًا: أن فكرة ”النور المحمدي” بمعناها الخاص لدى كل من الشيعة والصوفية فكرة أصيلة في مذهب كل. فهي لدى الشيعة منذ الغيبة الكبرى صارت الذريعة المقدمة للدفع بعدم استحقاق مَن في سدة الحكم للقيام بأمر المسلمين. وهي وإن وردت في الأقوال المنسوبة إلى الأئمة إلا أنه لم يُنسب إلى علي t أو إلى الحسين t أن أيًّا منهما قدمها كذريعة للحرب التي خاضها.
وأما الصوفية فقد بدأت الكرة مع المذهب وتطورت ضمنه. إذ بدأت من الإطار المجمع عليه بين كتاب السيرة ووصف r بأنه لولاه لما كان الخلق بناء على أنه U ما خلق الخلق إلا لعبادته لقوله I: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات/56] والعبادة لا تكون معتبرة إلا إذا قامت على هدي النبوة وهو r خاتم الأنبياء الذي لن يعقبه نبي ينسخ أيَّ شيء مما جاء به؛ ولذا وصف r من قبيل المجاز اللغوي أنه الغاية من الخلق لما كان اتباعه r هو الوسيلة الوحيدة لتحصيل تلك الغاية -وهي العبادة- في الحقيقة. وأنه r العلة والسبب -بالمعنى اللغوي المجازي لا الفلسفي- في الخلق لا لأنه r كان آلة في الخلق أو موجبًا أوجب الخلق على الله U ولكن لكون ما جاء به هو السبيل الوحيد لمعرفة أوامره ونواهيه I، ولأن اتباعه هو الطريقة الوحيدة لتحقيق مراده I من خلق الخلائق، ولأنه r العَلم الذي نصبه U لمن يحبه ليتبعه لقوله: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾[آل عمران/31].
ثم تطور مفهوم ”النور المحمدي” مع ابن عربي (ت638ه) ومتابعيه من الصوفية السنة وأضحى بمعناه الاصطلاحي عندهم الذي تعددت الأسماء التي أطلقوها عليه -لتعدد أوجه التي يشير إليها كل اسم- تعبيرًا عن حضرة الأسماء والصفات. و”النور المحمدي” عندهم هو أمر اعتباري: لا يوصف لا بالوجود ولا بالعدم، ولا بالقدم ولا بالحدوث وإنما هو أمر متعقل -لا غير- وليس له أي وجود في الخارج. ) وينبه إلى أنهم وإن أطلقوا عليه -ضمن ما أطلقوه من أسماء- الحق المخلوق به إلا أنه ليس عينًا موجودة فعلا فليست الباء في هذا التعبير بمعنى الاستعانة وإنما هي بمعنى اللام المفيدة لمعنى الحكمة فالحق I ”لا يخلق شيئاً بشيء لكن يخلق شيئا عند شيء فكل ما يقتضي الاستعانة والسببية فهي لام الحكمة فما خلق الله شيئا إلا للحق والحق أن يعبدوه”. )
سادسًا: أن هناك عبارات ترد في الكتابات الشيعية والصوفية ورغم ورودها بذات الشكل عند كلا الفريقين إلا أنها مختلفة المعنى والدلالة لدى كل منهما. منها: ولعلها أبرزها عبارة ”النور المحمدي” حيث ترد في الاستخدام الصوفي للدلالة على حضرة الأسماء والصفات ومراد الله U من كونه وما قَدَّره له من أرزاق في سابق علمه -وهي مسألة تقابل في جانب الفكر الكلامي حديث الماتريدية عن صفة التكوين )، وحديث الأشاعرة عن تعلقات صفة القدرة- على حين أنها ترد في الاستخدام الشيعي للدلالة على ”نور محمد r وآله” المتنقل في الأئمة المسوغ لاختصاصهم بالإمامة.
ومنها أيضًا عبارة ”المشاركة في الطينة والنور” وهي تستخدم لدى الصوفية لمجرد الدلالة المجازية على وجود المناسبة وصادق المتابعة من التابع للمتبوع دون أن ينبني عليها أي استحقاقات خاصة لهذا المشارك في الطينة فيما اختص به المتابَع من الخصائص والوظائف. على حين أنها تسخدم لدى الشيعة لقصد المعنى الحرفي وهو أن هناك طينة مميزة مجتباة خلق منها على مراتب متتالية النبي r والأئمة وأولي العزم من الرسل وسائر الأنبياء والشيعة وهي تغاير تلك التي خلق منها سائر الخلق.
سابعًا: يذهب كوربان إلى أن حيدر الآملي (ت بعد 782ﻫ) وأنداده من شيعة عصره قاموا بدمج مذهب ابن عربي (ت638ه) في المذهب الاثنى عشري. ) ولعل محفزهم لهذا هو حل الإشكال خاص بالمذهب الشيعي الناجم عن الخلاف بين الإخباريين والشيعة العدلية في شأن أخبار باب الطينة والميثاق وخلق وجود الأربعة عشر معصومًا قبل خلق الخلائق. وهي أخبار ينكرها العدلية من الشيعة، والمذهب الشيعي يُقول بأن الذي يوجب وجود إمام مفترض هو حفظ الشريعة وعدم الخطأ في فهم المراد من النص الشرعي؛ ولذا فهو مذهب لا يحتمل وجود وجهين للفهم وإلا لبطلت دعواه. فقد أخذوا عنه القول بوجود عالم المثال. ولكن إذا كان عالم المثال لدى الصوفية ما هو إلا برزخًا بين عالمي الأرواح والأجساد تظهر فيه معانيهما ولا يتضمن هو في ذاته أيًّا من الصور أو الهيئات فهو محل للمشاهدة فقط وليس للوجود، إلا أن الشيعة جعلوا من عالم المثال محلا لوجود المعصومين.