Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
جبل نفوسه :
المؤلف
الويشي, عطية فتحي عطية رزق.
هيئة الاعداد
باحث / عطية فتحي عطية رزق الويشي
مشرف / عفيفي محمود إبراهيم
مناقش / عطية فتحي عطية رزق الويشي
مشرف / لايوجد
الموضوع
التاريخ.
تاريخ النشر
2009.
عدد الصفحات
262 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
التاريخ
تاريخ الإجازة
1/1/2009
مكان الإجازة
جامعة بنها - كلية الاداب - التاريخ
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 262

from 262

المستخلص

بالرغم من الهزائم التي حَلَّت بسكّان جبل نَفُّوسة موقعة مانو، فقد ظَلّت القوات النفوسية في حربٍ مع الأغالبة ومع العُبَيْدِيِّينَ الذين ظهروا على المسرح السياسي للمغرب الأدنى قبيل مطلع القرن الرابع الهجري، و في أيام الأمير أبي زكريا النفوسي أحد حكام تونس قال له المعز لدين الله العبيدي : « تعالوا لنصطلح ليبقى لكم الأمر فيما بين تيهرت والجريد والجبل كما كنتم في مدة بني رُستُم ملوككم ويبقى لنا شطر البحر. وقد حدث هذا بعد أن حاول العُبَيْدِيُّونَ أكثر من مرة إخضاع الجبل ولم يفلحوا في ذلك، وقد شارك النفوسييون في الثورة التي قادها أبو يزيد المخلد بن كيداد اليَفْرِني ضد العبيديين التي انتهت بالفشل وكانت وراء انتقامات متوالية التي خلفت دمار أهم المراكز العمرانية بالجبل ومنه مدينة شروس. وفي المعارك التي تلت ذلك.. انضمّت زناته ولواته وأداسه ونَفُّوسة على هوّارة التي قادت دائمًا كل حركات الانتفاض ضد العُبَيْدِيِّينَ»؛
ولكن هذه الانتفاضات يبدو أنها لم تَكُنْ بالقوة التي تحقق لجبل نَفُّوسة المنعة والحماية من عدوان العُبَيْدِيِّينَ بصفة نهائية ودائمة- ولاسيما بعد مقتل أبي يزيد ابن كيداد اليَفْرِني سنة 336هـ/947م، والذي كان بمثابة شوكة في ظهر العُبَيْدِيِّينَ.
وَمِنْ جِهَتِهم، حاول أباضية منطقة طرابلس مقاومة العُبَيْدِيِّينَ أكثر من مرة، فتارة ينتصرون انتصارًا غيرَ حاسمٍ، وتارةً ينهزمون انهزامًا غير قاصمٍ... يتقدمون تارة ويتراجعون تارة، ولكنهم على أيَّةِ حالٍ، قد تَرَكَّزوا في نهاية المطاف بجبل نَفُّوسة؛ حيث اكتفت الدولة العُبَيْدِيَّةُ بكسر شوكتهم وقبولهم السيادة الاسمية فقط؛ فكان أهل الجبل يختارون من بينهم من يقوم بأمرهم له نفس صلاحيات الإمام ولكن دون أن يطلق عليه اللقب.
ولقد وضعت كثرة الصراعات التي استنزفت النفوسيين وَحَدَّت من طموحهم لاستعادة تشكيل إمامة للمسلمين، بل وأرغمتهم على التموقع في حلقات سياسية ودينية مستقلة على هامش الدولة المسيطرة على التاريخ السياسي لشمال إفريقيا. واكتفوا أخيرا بمساندة الحركات التي يرون فائدة في تحكمها على مدينة طرابلس كما وقع مع الأسرة الأمازيغية االزناتية بنو خزرون التي كانت للنفوسيين اليد الطولى في قيامها لمدة تناهز القرن (390: 488هـ/1000 : 1095م).
وعلى صعيدٍ آخر، فإنَّه مما يمكن ملاحظته، مِنْ خِلالِ ما مَرَّ، أنَّ رياسة الجبل لم تقتصر على شيوخ مِنْ جِهَةِ ما، بل تولاها كل من رأى فيه النفوسيون الكفاءة. فقد تولاّها شيوخ منادرف، إرجان، شِرْوِس، بغطورة تندميرة، لالوت. كما أن مركز الرياسة كان تارة في جادو، وتارة في شِرْوِس، وأخرى في « إبناين». وكان بالإمكان أن يرتقي مقدم بلدة ما إلى رياسة الجبل كله مثلما حدث مع مقدم بني زمور. وَمِمّا يجب الإشارة إليه هو أن سكان الجبل حافظوا على مبدأ الوراثة في تداول السلطة في أغلب الأحيان.
وولقد ظهر نظام العزّابة في جبل نَفُّوسة كاستجابة طبيعية لحالة الفراغ السياسي التي عاشها الجبل بعد سقوط الإمامة الرستمية. وفي الأخير، نقول بأن النفوسيين بعد سقوط الإمامة الرستمية : قد اكتفوا بحكم خاص بهم حيث يجتمع أهل الحَلِّ والعَقْدِ فيختارون أكفأهم، وتكون صلاحيات رئيس أهل الدعوة سارية على جميع أباضية الجبل والمناطق التابعة له. وقد مر بنا أن الوالي النفوسي سير الجيوش، وحارب الآفات الاجتماعية وحبس الجناة، وفض النزعات، واتخذ مساعدين له من العلماء والأعيان.
ولعلّ ظهور نظام العزّابة وهيمنته داخل الجبل قد خَوَّل لرؤسائه الجمع بين المسئولية الدينية والمسئولية الدنيوية، حيث أمكن لهذا النظام تسيير شئون المجتمعات الأباضية ليس فيجبل نَفُّوسة وحسب، وإنما في تجمعات الأباضية في المغرب كافّةً.
ولعل المدقق لطبيعة تطور نظام العزّابة، يجد أنه في مرحلة تاريخية ما، قد أمكن لهذا النظام أن يُغَطَّي الجوانب السياسية في تاريخ جبل نَفُّوسة مِنْ خِلالِ آليات ووسائل تنظيمية نعرض لها في هذا السياق بعد ذكرنا للسلطات الفرعية داخل مدن وقرى جبل نَفُّوسة بوجهٍ عام.
ولقد حافظ إباضية جبل نَفُّوسة على وحدتهم بتعيين شيوخ على ولاية الجبل لرعاية مصالح أهل الدعوة، وظلت الرياسة في العديد من المرات تنتقل من الأب إلى الابن، ومحصورة في طبقة معينة من الناس مع مراعاة مجموعة من المقاييس كالكفاءة، والعلم، والعدل، والشدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالإضافة إلى ضرورة إجماع القبائل. وَمِمّا يجب الإشارة إليه في الأخير هو أن الولاة اتخذوا كتابا يساعدونهم في أعمالهم، فالمصادر تذكر أن أبا عبد الله محمد بن جنون كان كاتباً لأبي زكريا بن أبي عبد الله التندميرتي.
ولقد قامت نزاعات داخلية بالجبل كانت قبلية في مجملها مثل حرب ويغو وطرمسية، وويغو وجادو باستثناء النزاعات المذهبية بين أتباع هذه الطوائف، خاصة وأن بعض القبائل القوية أخذت بمذاهبها. فقد انضم مثلا بنو يَفْرِن إلى حركة النكارية، وكان لهم دور كبيرة في مؤازرة أبي يزيد مخلد بن كيداد.
وبالنسبة للتأثيرات السياسية والحضارية لهجمة قبائل البدو العربية، فقد أعطانا برنشفيك صورةً عامّةً حول الأوضاع في المغرب الأدنى بقوله : « من القرن التاسع الميلادي إلى القرن الحادي عشر، فقال : « يبدو أنَّ إفريقية قد عرفت من جديد حضارة مدنية وقروية مزدهرة، ستقضي عليها إلى حَدّ بعيدٍ الزحفة الهلالية المُرِيعَةٌ».
وبعد تشكيل الدولة الموحدية، استطاعوا ضم المنطقة الطرابلسية إلى نفوذهم بعد دورهم الفاعل في إخراج المحتلين النورمانديين من المغرب الأدنى... بيد أنَّ رغبة بنو غانية لاسترجاع المجد المرابطي وإعلانهم الثورة بتحالف مع إحدى بطون القبائل العربية النازحة إلى إفريقية وهي بنو دباب حول المجال الترابي لنَفُّوسة إلى مسرح للعمليات أتت على الأخضر واليابس ودام أكثر من نصف قرن بداية من 580هـ/1184م.
ولقد ظلت قبائل البدو العربية بعيدةً نسبيًّا عن جبل نَفُّوسة حتى جاءت حملة شرف الدين قراقوش سنة568هـ/1172م، مولى الملك المظفر تقي الدين الأيوبي، إلى بلاد المغرب وإيجاد مراكز نفوذ لهم بها. وذلك حتى تكون هذه المراكز خط دفاع الأول وامارات المشرق في وجه الاطماع الموحدية. ولقد حصل صراعٌ مريرٌ بين قراقوش وتلك القبائل مِنْ جِهَةِ وبين جبل نَفُّوسة؛ وبينهم وبين جبل نَفُّوسة وبين المرابطين على جبهةٍ أخرى... ويبدو أنَّ النفوسيين قد لاقوا في هذا الصراع عنتًا ومشقة ووضياع موارد ومقتل قادة وعلماء في حروبٍ لَمْ يَكُن لهم فيها من بُدٍّ... وهو ما اضطر معه النفوسيين من الاستقرار نهائيا في موقعهم الحالي بالجبل والاكتفاء بالحفاظ على استقلالهم السياسي والمذهبي والرد على كل المحاولات الخارجية التي تستهدف ضمهم إلى منطقة نفوذها.
وعلى الصعيد الحضاريّ العامّ، كان لموقع نَفُّوسة الاستراتيجي المشرف على الطريق الساحلية الرابطة بين الشرق وافريقية ومراقبتها لما يجري بطرابلس الغرب، دورٌ خطير في تفعيل النشاط الاقتصادي، وانتشار التجارة في الصحراء عبر مراكز تجارية هامة منها زويلة التي كانت مركزًا للبضاعة القادمة من طرابلس وجادو، والأخيرة أتاحت الفرصة لأهالي جبل نَفُّوسة للارتباط بهذه المدن تجاريا بواسطة القوافل التي كانت تسير من طرابلس إلى تادمكة وغانه وغيرهما عبر مدينة جادو، وكان من تأثيرات هذه الصلات أن أهل نَفُّوسة كانوا يجيدون التحدث بلغة كانم إلى جانب العربية، وهذا ما أكده أبو عبيد البكري، ويدعم هذا التفسير استقرار جماعات من كانم في جِنّاون الواقعة أسفل جادو في طريق القوافل التجارية.
هذا النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي وجد لغرض اقتصادي واجتماعي بحت أتاح لنا فرصة التواصل الثقافي بين دول شمال إفريقية الإسلامية ودول جنوب الصحراء. فلقد سهل لقوافل العلماء والكتب العبور ببضائعهم، والعلماء بكتبهم، وونبضت التيارات الفكرية والحركات العلمية والثقافية بالحيوية من الشمال إلى الجنوب والعكس.
ولقد أصبحت الأسواق منبرًا من منابر الدعاة تنطلق منها أصواتهم إلى صدور الرجال، ومكانًا لبيع المخطوطات، وأصبح التاجر هو الداعي وبيده اليمني مصحفه واليسري سلعته. ويصاحب العلماء ويسهل لهم الإقامة لوجه الله ليسهل لهم بلوغ مرامهم وهو نشر الإسلام وثقافته عن طريق التعليم والوعظ والإرشاد والفتاوى، كي يستقيم بالشريعة الإسلامية في المنطقة التي تهيمن عليها الدينات الوثنية، وليضئ لهم طريق الهدى، ونتج عن ذلك وجود الإسلام والثقافة الإسلامية عن طريق التواصل الثقافي لا عن طريق السيف كما هو في الشمال..
وهكذا، ظلت طرق التجارة التي تشق الصحراء الكبرى إلى نواحٍ عديدةٍ... تؤدي إلى جانب الدور الاقتصادي : دورًا فاعلاً في نشر الدعوة الإسلامية بين الممالك والقبائل في جنوب ووسط الصحراء الكبرى. فلقد « حمل التجار من شمال إفريقيا إلى الجانب الأخر من غرب ووسط أفريقيا : المعرفة بشتى أنواعها... وحملوا معهم كذلك : حضارة العالم الإسلامي، ومفاهيم الدين الإسلامي، والقانون والدولة، وأنماط جديدة من التعليم والفن المعماري ومحاصيل وصناعات ومهارات جديدة...
وعندما أَسَّسَ العُبَيْدِيُّونَ دولتهم، اهتم ملوكهم بالتنمية الاقتصادية، فشجعوا الزراعة والتجارة على الرغم من أن سياستهم كانت تقوم على جمع المال قدر الإمكان بغية تحقيق الحلم الذي ظل يراودهم وهو الانتقال إلى المشرق والسيطرة على الحجاز، فكانوا يجبون الأموال الطائلة ويصادرونها ظلما. وهو ما تسبب في المجاعات وانتشار الفقر والأوبئة والتخلف والخراب بين مجتمعات المغرب الأدنى.
ولقد كان لاضطراب الأحوال السياسية، وعدم الاستقرار منذ ظهور العبيدين : دورٌ كذلك في تراجع الأحوال الاجتماعية والاقتصادي وازدادت « الأوضاع الاقتصادية ترديًا، فَقَلَّ الأمن منذ المنتصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وَتَجَلَّى أيضًا في القرنين الرابع والخامس الهجريين». وبسبب ذلك، تفاقمت هذه الأحوال وازدادت سوءًا في عصر ثورات الأباضية على العُبَيْدِيِّينَ.
وفيما يبدو للباحث، أنَّه على الرغم من أنَّ العُبَيْدِيِّينَ قد استطاعوا بسط سيطرتهم على طرابلس وبعض المدن الليبية، بيد أنَّ هذه السيطرة كانت في مجملها سيطرة سياسية؛ إذ إنَّ أخبار المقاومة البربرية مِنْ جِهَةٍِ، وقلة الأشخاص الذين اعتنقوا دعوة العُبَيْدِيِّينَ : يؤكدا لنا فشل العُبَيْدِيِّينَ في المَدِّ الثقافي أو المذهبي!. ولم تَكُنْ المراكز الأباضية بِأقلِّ ضيقًا من المذاهب السُّنِّيَّةِ الأُخرى بدعوة العُبَيْدِيِّينَ، ولا أقَلَّ منعةً واستعصاءً ومقاومة لمحاولات الاحتواء العُبَيْدِيّ سياسيًّا ومذهبيًّا وبوجهٍ عامٍّ، بل كان لجبل نَفُّوسة دورٌ في مقاومة المد العُبَيْدِيّ في المغرب العربي عمومًا.
وعلى جانبٍ آخرَ، تأرجحت فترة حكم بني زيري بين الرخاء تارة والقحط والجدب تارة أخرى، فقد عرفت في سنوات رخاء وأمان في حين عرفت في سنوات غلاء فاحشا حيث « ذهب مال الغني، وغلت الأسعار، وعدمت الأقوات، وجلي أهل البادية عن أوطانهم... ومع هذه الشدة وباء وطاعون هلك فيه أكثر الناس. وقد تأثر جبل نَفُّوسة كغيره من مناطق بلاد المغرب بالأحداث السياسية التي حدثت في بلاد المغرب، فمر هو الآخر بالظروف نفسها، وذلك على نحو ما عرضنا له في موضعه من هذه الدراسة.