Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
يهود غرب أوروبا وعلاقتهم ببلاد الشام
من كليرمونت 1095م إلى سقوط عكا 1291م
/
الناشر
هبه رمضان محمود العويدى
المؤلف
العويدى ،هبه رمضان محمود
الموضوع
يهود غرب أوروبا بلاد الشام كليرمونت سقوط عكا
تاريخ النشر
2009 .
عدد الصفحات
p.274:
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 247

from 247

المستخلص

أدت الأعمال التى كان يقوم بها اليهود فى مدن الغرب الأوروبى والتى كان من أهمها الاشتغال بالربا إلى كره شعبى كبير لهم ، بسبب استغلالهم الشديد للأهالى، ومضاعفة الفوائد عليهم فى الوقت الذى كان فيه الغرب الأوروبى يعانى من ضيق اقتصادى كبير، بالإضافة إلى قلة النقود ، فكان اليهود يستغلون حاجة الناس وضيقهم ويرهقونهم بفوائد باهظة ، ولم يقتصر الاقتراض من اليهود على الفقراء فقط، بل تعداه إلى الفرسان، ورجال الكنيسة، والملوك أيضًا، أى أن المجتمع الأوروبى بجميع طوائفه اتجه نحو اليهود الذين امتلكوا ثروات عظيمة إثر اشتغالهم بالتجارة وانفرادهم بها ، ثم استقرارهم فى مدن الغرب الأوروبى ، وإذا أضفنا إلى اشتغال اليهود بالربا اشتغالهم بجمع الضرائب من الفلاحين لصالح الخزانة الملكية سنجد الكره ازداد تجاههم من طبقة العامة خاصة التى كانت تعانى من ضيق اقتصادى ، وفى الوقت نفسه كانت مجبرة على دفع ضرائب، كثيرًا ما كانت تفوق طاقاتهم . وجاءت دعوة البابا أوربان الثانى للحملات الصليبية على الشرق لتزيد من حاجة المجتمع فى الغرب الأوروبى لليهود ، بسبب احتياج معظم النبلاء للأموال لإعداد أنفسهم للرحيل إلى الشرق ، وليس النبلاء فقط، بل أيضًا العامة ، وبذلك أصبح اليهود عائقًا أمام الصليبيين الذين حملوا الصليب فى رحلتهم المقدسة ، لأن معظم الناس كانت مدانة لليهود، ويتحكم اليهود فى الرهون التى اختلفت طبيعتها من شخص إلى آخر، وفى الوقت ذاته أصبح المجتمع بحاجة أكثر إلى الأموال، فاستغل الوعاظ الجشعون ما يكنه الأهالى فى صدورهم تجاه اليهود، وأشعلوا العداء ضدهم، فانقض الصليبيون وأهالى البلاد على اليهود يجبرونهم بين دخول المسيحية أو الموت ، فهناك من كان يفضل الموت، وهناك من كان يفضل التحول للمسيحية ، وكثير من اليهود كانوا يقتلون أنفسهم قبل أن يصل الصليبيون إليهم ، وبعد دخول الصليبيين بلاد الشام التى كانت وجهتهم المقدسة ، سجل لنا الصليبيون فى تاريخهم أبشع حادثة عرفها العالم فى مدينة بيت المقدس، وبالأخص مع المسلمين؛ لأن عدد اليهود كان فيها قليل بالنسبة لعدد المسلمين ، بالإضافة إلى أن الصليبيين قد أبقوا على حياة الكثير من اليهود أسرى ليستفيدوا بالأموال من وراء افتدائهم لأنفسهم ، وبعد خروج الصليبيين إلى الشرق أصبح الطريق خاليًا أمام اليهود فى غرب أوروبا – خاصة ألمانيا وفرنسا – فقرر بعضهم الرحيل عن البلاد لإيجاد ملاذٍ آمنٍ فى البلاد الإسلامية التى كانت بالنسبة لهم بر الأمان ، أو فى غيرها من البلدان الأخرى، وبالنسبة لمدينة بيت المقدس فقد أصبحت مملكة صليبية يسيطر عليها الصليبيون؛ لذلك لم يتجه اليهود نحوها .
استقرت أحوال اليهود فى الغرب الأوروبى إلى حد ما بعد الحملةالصليبية الأولى، لكنها لم تلبث أن تدهورت عند بداية الحملة الصليبية الثانية، وانتشر العداء ضدهم فى كل غرب أوروبا، بعدما كان مقتصرًا على ألمانيا وفرنسا فى الحملة الصليبية الأولى ، وبدأت تظهر ادعاءات بشأن اليهود أهمها اتهام طقوس الدم أو القتل الطقوسى، وفيه اتهم اليهود بأنهم يقتلون كل عام أحد المسيحيين فى عيد الفصح؛ لاستخدام دمه فى طقوسهم الدينية ، وانتشرت تلك الشائعات بصورة كبيرة فى الغرب الأوروبى كله، وصدقها الناس، فكان يحدث هجوم على اليهود إثر كل اتهام يتعداه إلى المناطق المجاورة، ينتج عنه قتل عدد من اليهود، وغالبًا ما يكونون من أغنى اليهود فى المدينة أو المنطقة ، وتلك الادعاءات زادت من الكره الشعبى لهم ، وأصبحت تلصق بهم أى جريمة سواء فعلوها أم لا.
أما موقف أصحاب السلطة الدينية والدنيوية من اليهود فقد اختلف كثيرًا من شخص إلى آخر، فمنهم من قرب اليهود ومنحهم امتيازات خاصة ومنع الاعتداء عليهم ، ومنهم من تحامل عليهم ورفض أى احتكاك بينهم وبين المسيحيين . وتدريجيًّا تدهورت أوضاع اليهود فى البلاد، فكثرت الاتهامات الموجهة إليهم من كل نوع، مثل اتهامهم بتدنيس القربان المقدس فى الكنائس المسيحية ، ولأن ذلك الاتهام يمس الناحية الدينية لدى المسيحيين فاشتد العداء تجاه اليهود أكثر وأكثر حتى أصبح القرن الثالث عشر الميلادى / السابع الهجرى بداية النهاية بالنسبة لوجودهم فى غرب أوروبا ، فلم يعد يتحملهم الملوك، أو الأمراء الإقطاعيون، أو العامة، وحتى البابوات بدؤوا يغيرون موقفهم منهم، ويأمرون المسيحيين بعدم الاختلاط بهم أو التعامل معهم بأى شكل، وقد أكسب موقف الملوك والبابوات ذلك من اليهود صفة رسمية لعداء اليهود ، ومهد الطريق لطردهم جميعًا من مملكتى إنجلترا وفرنسا .
ولم يكن ذلك الطرد الجماعى سوى إكمالا لسياسة قد بدأها الملوك والأمراء مع اليهود من قبل؛ حيث كان يتم طردهم من مدينة أو إقطاع بعد مصادرة أملاكهم ، ويصاحب ذلك الطرد فرحٌ عظيمٌ من أهالى المدينة أو الإقطاع الذى يطرد منه اليهود ، ويعطى أملا كبيرًا لأهالى البلاد الذين لم يستطيعوا طرد اليهود من بلادهم بعد ، ويطالبون بحقهم فى ذلك أيضًا ، وقد وصل من شدة توق أهالى البلاد لطرد اليهود أن قاموا بدفع أموال إلى الملك ليطردوا اليهود .
أما اليهود فى بلاد الشام فقد تمتعوا بحريات واسعة تحت الحكم الإسلامى ، وبشهادة الغربيين واليهود، لم تفرض على اليهود قيود مثل التى فرضت عليهم فى مدن الغرب الأوروبى، وتمتعوا بحرية ممارسة طقوسهم الدينية ، وحرية ممارسة أعمالهم التجارية وغيرها، وتبوءوا أعلى مناصب فى البلاد ، ومنهم من نال حظوة عظيمة عند حكام المسلمين ، وتمتع رئيسهم الدينى بمكانة كبيرة فى البلاد الإسلامية؛ لأن الجميع كانوا يحترمونه .
واليهود المهاجرون من الغرب الأوروبى، ومن أسبانيا، وبيزنطة – بسبب الاضطهاد – وجدوا ترحيبًا كبيرًا فى الشرق الإسلامى تحت حكم المسلمين ، وكان المجتمع يساعد هؤلاء الوافدين الذين ازدادت أعدادهم بصورة كبيرة فى القرن الثالث عشر الميلادى / السابع الهجرى لدرجة أن المجتمع المصرى فى الإسكندرية لم يستطع إعالة تلك الأعداد الهائلة من اليهود ، ولم يكن هناك فرق بين أى دولة إسلامية وغيرها ، فاليهود كانوا يتنقلون من مدينة إلى أخرى، خاصة إلى مصر التى كانت صلتها قوية ببلاد الشام ، ولقد تمتع اليهود المهاجرون أيضًا بحريات كبيرة، وكانوا يتوارثون ممتلكاتهم دون أى مصادرة أو استيلاء عليها من قبل السلطات .
جملة القول أن بلاد الشام لم تكن هدفًا أسمى بالنسبة لليهود فى تلك الفترة، وإنما تحكمت بعض العوامل فى هجرتهم إليها ، وتنوعت تلك العوامل ما بين سياسية ، واقتصادية ، ودينية. وبعد طرد اليهود من إنجلترا وفرنسا أصبحت بلاد الشام هى إحدى المدن التى فروا إليها من أجل العيش فى رحاب الدين الإسلامى الحنيف .