Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
الحياة العلمية فى اقليم جبلة خلال عهد الصليحيين 458-523هـ - 1066-1138م /
الناشر
شوقى درهم عبد الله ،
المؤلف
الفضلى، شوقى درهم عبد الله.
هيئة الاعداد
باحث / شوقى درهم عبد الله الفضلى
مشرف / محمود عرفة محمود عرفة
مناقش / عصام الدين عبد الرؤوف الفقى
مناقش / محمد احمد محمد احمد
الموضوع
اليمن- تاريخ.
تاريخ النشر
2005 .
عدد الصفحات
330 ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
ماجستير
التخصص
التاريخ
تاريخ الإجازة
3/7/2005
مكان الإجازة
جامعة أسيوط - كلية الآداب - التاريخ
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 351

from 351

المستخلص

الخاتـمــــة
عاشت بلاد اليمن قبيل قيام الدولة الصليحية فترة اتسمت بالكثير من الإضطرابات نتيجة لغياب الدولة المركزية ، الأمر الذى أتاح الفرصة لظهور العديد من الكيانات السياسية ذات الولاءات المتعددة وأنعكس ذلك الأمر على مظاهر الحياة المختلفة فعاش الناس حياة قاسية من جراء تصارع تلك القوى فيما بينها .
كان لقيام الدولة الصليحية بقيادة مؤسسها الملك على بن محمد الصليحي دور هام فى توحيد بلاد اليمن وكبح جماح القوى المتصارعة فيها ، وقد أهله لذلك الأمر ما كان يتمتع به من ميزات قيادية وعلمية ، ودراية فى التعامل مع مختلف أبناء دولته ، أكتسبها من قيادته لقوافل الحج لمدة خمسة عشر عاماً قبل أن يعلن عن قيام دولته ، وكان لوقوف المخلصين له من أهل دعوته أبلغ الأثر فيما حقق من نجاحات على حساب المناوئين له ، ولم يأت عام 455هـ /1063م إلا وقد دانت له جميع بلاد اليمن ، غير أن جراح بعض أعدائه لم تندمل لا سيما بنى نجاح الذين نجحوا فى تدبير مؤامرة نجحوا من خلالها فى الإطاحة بالملك على بن محمد الصليحي ، والثأر لمقتل والدهم عام 459هـ / 1067م .
تحمل المكرم أحمد بن على مسئولية إعادة الأوضاع المضطربة التى عاشتها دولته بعد مقتل والده إلى ما كانت عليه ، ونجح بفضل شجاعته واستبسال قواده فى إخماد ثائرة أعدائه وإرغامهم على الخضوع ، كما نجح أيضا فى تخليص أمه من أسر النجاحيين ، والثأر لمقتل والده ، وبلغت الدولة الصليحية فى عهده أقصى درجات القوة والمنعة والاستقرار ، غير أن المرض الذى أصيب به أقعده عن تدبير شئون الدولة ، فعهد بذلك الأمر لزوجته السيدة بنت أحمد والتى قامت به خير قيام .
لعبت الملكة الصليحية سيدة بنت أحمد دوراً بارزاً فى تاريخ اليمن خلال عهد الصليحيين ، فكانت سياسية ماهرة ، حكمت اليمن فى عهد زوجها ثم وصية على أبنها ، ثم انفردت بالحكم بعد ذلك رغم ما واجهتها من صعاب ، وتمكنت من أن تسوس البلاد بحنكة واقتدار على مدى تاريخ حكها الطويل الذى أمتد لأكثر من خمسين عاماً ، يساندها فى ذلك عدد من قادتها الأكفاء .
ولم تكن الملكة الصليحية سياسية فقط ، بل كانت إلى جانب ذلك متعلمة من الطراز الأول ، ومتبحرة فى علوم مذهبها الإسماعيلي ، مما جعل الإمام الفاطمي يسند إليها الإشراف على شئون الدعوة والدعاة فى اليمن والبلاد الملحقة به مثل الهند وعمان وغيرها.
وقد أولت هذه السيدة عناية كبيرة بأهل دولتها فسعت إلى تحسين أوضاعهم المعيشية من خلال ما أدخلته من إصلاحات اقتصادية هامة كان لها مردوداً نافعاً لشعبها ، ولم يقف عطائها عند ذلك ، بل عملت على تشجيع التعليم من خلال الاهتمام بإنشاء دور العلم وتشجيع العلماء وطلاب العلم وإيقاف الأراضي اللازمة لهم ، وأكثر من ذلك ما كانت عليه من التسامح المذهبي والابتعاد عن أي مظهر من مظاهر التعصب الدينى .
غير أن الأوضاع السياسية فى دولتها لم تكن على ما يرام في آخر عهدها ، شأنها فى ذلك شأن بقية الدول عندما تمر بآخر أطوارها ، فانسلخت عنها العديد من الأقاليم الهامة مثل تهامة بيد النجاحيين واليمن الأعلى بيد الأشراف الزيدية والحاتميين ، ثم الزريعيين فى مناطق اليمن الأسفل ، ولم يكن للدولة الصليحية فى آخر عهدها سوى مجموعة من المدن والحصون .
أما عن علاقتها بالخلافة الفاطمية فقد كانت علاقة وطيدة حتى وفاة الخليفة الآمر ، فكانت السيدة تحظى باحترام الخلفاء وتقديرهم ، ويظهر ذلك جلياً فى الألقاب العديدة التى منحت لها من قبلهم خلال فترات حمكها ، إلا أن ظهور الخليفة الحافظ على مسرح الأحداث واعتلائه عرش الخلافة وضع حداً لتلك العلاقة ، فقد كان من وجهة نظرها مغتصباً لعرش ليس من حقه ، فكان خروجها عن الخلافة الفاطمية واتباعها للدعوة الطيبية بإمامها المستور الطيب ابن الآمر الفاطمي ، لتفقد بذلك سنداً كانت فى أمس الحاجة إليه .
تعددت المراكز العلمية فى الإقليم سواءً كانت مدنا أم قرى علمية ، وكان أغلب تلك المراكز ذات اتجاه سنى ، إذا لم يكن لأتباع المذهب الإسماعيلي ـ حسب إطلاع الباحث ـ سوى مدينة ذى جبلة ، حيث قصدها كثير من دعاة المذهب وأتباعه ومارسوا فيها حريتهم الدينية تحت حماية الدولة الصليحية ، وبالنسبة للمراكز السنية فكانت منتشرة فى معظم أرجاء الإقليم ، وتفاوتت من حيث شهرتها بتفاوت شهرة علمائهاً ، وربما ارتبط مركز منها بعالم او أكثر من مشاهير العلماء ، حتى إذا ما قضى ذلك العالم لم يكن لذلك المركز فضلاً على غيره ، وكان من أهم تلك المراكز وأكبرها أثراً قرية “سهفنة” التي ارتبطت بالإمام الجليل القاسم بن محمد الجمحى الذى كان له دور هام فى نشر المذهب الشافعي فى كثير من بلاد اليمن ، ومن المراكز المتميزة قرية “سير” التى برز فيها العالم الجليل الإمام يحيي بن أبى الخير العمراني الذى تخرج على يديه عدد من كبار فقهاء الإقليم ، وبالإضافة إلى هذين المركزين كان لبقية المراكز فى الإقليم أدوار هامة فى مجال الحياة العلمية ، حيث برز فيها العديد من العلماء أصحاب للتصانيف المختلفة سواءً فى مجال العلوم الفقهية أو اللغوية أو نحوها مثل قرية “ذى السفال” ، و“ذى أشرق” ، و“ظبـا” ، و“أحاظة” ، و“المشيرق” وغيرها .
لعبت المؤسسات العلمية دوراً هاماً فى إزدهار الحياة العلمية فى الإقليم ، سواءً ما ارتبط منها بالتعليم الأولي فى الكتاب ، أو ما كان مرتبطاً بالتعليم العالى في المساجد والقصور ومنازل العلماء ، وكان الكتاّب أولى المؤسسات التى يتلقى فيها الطلاب تعليمهم الأولى ، وكان موضع الكتاب فى زوايا المساجد الصغيرة ، وربما فصل عنها فى بناء مستقل تنزيها له من عبث الصبيان .
وبالنسبة لمؤسسات المرحلة العليا فتمثلت بصورة أساسية فى المساجد وبيوت العلماء وقصور الأمراء ، وإذا ما خرجنا عن إطار مدينة ذى جبلة فسنجد غياباً واضحاً لدور الدولة ـ الصليحية ـ فى العملية التعليمية سواءً فى بناء المؤسسات أو فى تمويلها ، واقتصر الأمر على جهود أبناء الإقليم فى بناء المساجد الصغيرة ، والتى أتخذ منها بعض العلماء أماكن لإلقاء دروسهم ، كما كان للخيرين إسهامات طيبة فى مجال وقف الكتب على تلك المساجد ، فظهر عدد من المكتبات المسجدية مثل مكتبة جامع ذى أشرق ، وبالإضافة إلى تلك المكتبات كان هناك مكتبات خاصة لعدد من علماء الإقليم ، استفاد منها طلاب العلم استفادة كبيرة فى دراستهم وأبحاثهم .
كان لمنازل العلماء دوراً مكملاً للدور الذى كان يلعبه المسجد ، وكان هذا النوع من المؤسسات مرتبطاً فيما يبدو بخواص طلاب العلم ، أو بالمبرزين منهم ، وهو أسلوب سار عليه عدد من العلماء ، لا سيما فى سنى حياتهم الأخيرة ؛ ربما لبعد المساجد عن مكان إقامتهم أو لعدم رغبتهم فى الظهور خوفاً من الرياء .
ارتبط النوع الرابع من المؤسسات العلمية (قصور الأمراء) بأتباع المذهب الإسماعيلي لا سيما الخواص منهم ، حيث كانوا يتلقون علوم دعوتهم على أيدى كبار الدعاة فى تلك القصور ، كما كان لتلك القصور دوراً تثقيفياً تمثل فى إقامة المجالس الأدبية التى كان يحضرها كبار الأدباء والشعراء فى ذلك الوقت .
كان نظام التعليم فى الإقليم ينقسم إلى مرحلتين هما المرحلة الأولى وتعنى بصغار الطلاب ، ومكانها الكتاب ، وفيها يتوجب عل الطلاب حفظ القرآن الكريم بالإضافة إلى دراسة بعض المواد الأخرى كالخط والشعر والنحو ، وبعض المسائل الفقهية كالصلاة والطهارة ، وربما بعض مبادئ الحساب ن وكان من اختصاص المعلمين اختيار الطرق والأدوات المناسبة فى عملية التدريس ، وكان اليوم الدراسي للطلاب يبدأ مع ساعات الصباح الأولى وينتهى بغروب الشمس فى حين كانت الجمع والأعياد عطل لأولئك الطلاب، وكان انتقال الطلاب من هذه المرحلة إلى ما بعدها مرهون بحفظ القرآن الكريم.
أما بالنسبة للمرحلة العليا فلم تكن الدراسة فيها محددة بفترة زمنية محددة وإنما كان ذلك متروكاً لرغبة الطالب وميوله ، فربما اكتفى بحصوله على إجازة فى مجال معين ورما أفنى عمره فى طلب العلم .
اعتمد الطلاب فى هذه المرحلة على العديد من المواد الدراسة فى المجالات العلمية المختلفة ، ففى مجال القرآن وعلومه كان جل اعتمادهم فى دراستهم للتفسير على مصنفات غير يمنية ، في حين توفرت لهم بعض المصنفات اليمنية فى مجال القراءات ، أما فى مجال الحديث فكان اعتمادهم بدرجة أساسية على كتب الحديث المشهورة مثل “صحيح البخارى” ، و“صحيح مسلم” ، وغيرها من كتب الحديث ، مع وجود بعض المشاركة لعلماء اليمن فى هذا المجال ، وفى مجال الفقه برزت مجموعة من كتب الفقه لعلماء غير يمنيين عول عليها طلاب العلم في دراستهم ثم ظهرت بمرور الوقت كتباً فقهية لعلماء يمنيين ذاع صيت عدد منها ، ونافست الكتب الأخرى على الصدارة ، وفى مجال اللغة والنحو وعلم الكلام ، اعتمد الطلاب كذلك على عدد من المؤلفات الهامة سواءً ما ألفها علماء اليمن أو ما وصل إليهم من حواضر العالم الإسلامي .
تمثلت الأنظمة التعليمية المتبعة فى نظامين اثنين هما : نظام الحلقة ونظام
المجالس ، وكان المسجد مكاناً لعقد الحلقات العلمية ، فى حين كانت منازل العلماء وقصور الأمراء مكاناً ملائماً لنظام المجالس العلمية .
وبالنسبة لنظام المجالس فكان يتألف من أنواع عدة ؛ فمنها ما كان يعقده الفقهاء لتدارس العلوم الدينية ، ومنها مجالس الحديث التى يكون الحديث فيها مادة أساسية للبحث والدراسة ، ومنها مجالس المناظرة التى كانت تعقد بين طرفين مختلفين فى قضية معينة سواءً كانا من مذهب واحد أم من مذهبين مختلفين ، ومنها مجالس الحكمة التى ارتبطت بأتباع المذهب الإسماعيلي ، والتى كانت تعقد فى قصور الصليحيين لضمان سريتها .
تمثلت الطرق المتبعة فى التدريس فى طرق عدة منها طريقة السماع التى ارتبطت بدرجة أساسية بعلم الحديث ، وطريقة الإملاء التى كانت حلاً عملياً لمشكلة نقص الكتب الدراسية فى ذلك الوقت ، وطريقة القراءة حيث يقرأ الطالب على شيخه ، ومن ثم يقره على ما يقرأ ، وطريقة الإجازة والتى كانت بمثابة الشهادة التى يمنحها الشيخ لتلميذه بالرواية على لسانة فى أمر محدوداً وغير محدود ، ولها أنواع عدة فمنها الإجازة فى كتاب ، والإجازة لمعين فى غير معين ، والمكاتبة وإجازة السماع .
أسهمت مجموعة من العوامل فى ازدهار الحركة العلمية التى شهدها إقليم جبلة خلال العهد الصليحي ؛ فكان من تلك العوامل : توفر الموارد اللازمة للإنفاق على العملية التعليمية والمتمثلة فى الصدقات والأوقاف والنذور ، ومع غياب الدور الرسمي للدولة الصليحية ـ خارج مدينة ذى جبلة ـ فقد ساهمت تلك الموارد فى تمويل العملية التعليمية، وتوفير المناخ الملائم لطلاب العلم بعيداً عن تدخل الدولة وسيطرتها .
حرص طلاب الإقليم على الارتحال فى طلب العلم إلى العديد من المراكز العلمية داخل الإقليم وخارجه ، وكان لما قاموا به من رحلات أثر هام فى توسيع مداركهم وزيادة تحصيلهم العلمي كماً ونوعاً ، وكان من أبرز المراكز العلمية التى تأثروا بها مدينة الجند ، نظراً لقربها الجغرافي وكثرة من بها من كبار العلماء ، كما أرتحلوا أيضا إلى المراكز الأخرى داخل اليمن كجزيرة كمران ومدينة زبيد وعدن وغيرها ، كما أن الرحلات العلمية لم تقتصر على الأقاليم اليمنية فحسب وإنما توفرت لعدد من الطلاب فرصة الالتحاق بعدد من المراكز الأخرى خارج اليمن ، كان أبرزها مكة المكرمة .
اهتم علماء الإقليم بتوريث علومهم إلى أبنائهم وترتب على ذلك الأمر ظهور مجموعة من الأسر العلمية أثرت بفاعلية فى مجال الحياة العلمية سواءً فى مجال التدريس أو التأليف ، أمثال : بنو اليزيدي ، وبنو الصعبي ، وبنو عمران ، وبنون الهيثم وغيرهم .
سعى حكام الدولة الصليحية إلى استرضاء فئة العلماء والأدباء وتقريبهم والمبالغة فى إكرامهم بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية ، ودافعهم إلى ذلك الأمر رغبتهم فى كسب ود رعيتهم من خلال تلك الفئة ـ العلماء والأدباء ـ التى كان لها ثقلها ومكانتها بين عامة الناس .
كان للاستقرار السياسي الذى شهده الإقليم خلال حكم الصليحيين أثراً واضحاً على الحياة العلمية ؛ إذ انعكس ذلك على حياة الناس فأمنوا على أنفسهم وأموالهم ، ولا شك أن لذلك الأمر أثره على العملية التعليمية ، فبغياب الأمن يصبح من المتعذر على العلماء وطلاب العلم المضى فى طلب العلم وتحصيله ، وهو الأمر الذى عاشوه لفترة بعد غياب الدولة الصليحية عن مسرح الأحداث .
أدى التنافس بين أتباع المذاهب المختلفة إلى سعي كل منهم للذود عن ما يعتقدون من أفكار ، وترجموا ذلك الأمر فى مناظراتهم وكتبهم ، وإن بدا فى ظاهر الأمر فرقة وانقسام إلا أن محصلته النهاية كانت إضافات فكرية هامة فيما ألفه العلماء من كتب عرفت بكتب النقض والردود .
تعددت المذاهب الدينية فى بلاد اليمن بين مذاهب سنية وشيعية وإباضية ، دخلت إلى اليمن بأساليب متعددة ، وفى أزمنة مختلفة ، تمكن بعضها من الظهور والانتشار لفترة
من الزمن كالمذهبين الحنفى والمالكي ، ثم لم يلبث أن حل محلهما فى الصدارة المذهبان الزيدي والشافعي ، في حين كانت هناك مذاهب أخرى معتمدة فى جانبها العقائدي دون الفقهي ، كالمذهب الحنبلي الذى دان به كثير من شافعية اليمن قبل أن ينافسه المذهب الحنبلي بعد ذلك ويتفوق عليه .
ظهر فى إقليم ذى جبلة فرقتان مذهبيتان هما : الشافعية والإسماعيلية ، وكان أتباع المذهب الشافعي على مذهب الإمام الشافعي فى الفروع ، في حين كانوا يعتقدون
بالمذهب الحنبلي فى الأصول ، واستمر ذلك حتى القرن السادس الهجري قبل أن يتحول أكثرهم إلى المذهب الأشعري فى مجال الأصول .
بذل علماء الشافعية فى إقليم جبلة جهوداً كبيرة فى خدمة المذهب الشافعي ، وكانت البداية القوية منذ عهد الإمام القاسم بن محمد الجمحى الذى كان له دور هام فى انتشار المذهب الشافعي فى مختلف أنحاء اليمن ، ثم توالت جهود العلماء الآخرين بعد ذلك بوتيرة قوية ، كل منهم يسعى من خلال حلقاته ومصنفاته إلى ترسيخ مبادئ المذهب فى عقول وقلوب طلابه ، حتى غدا الإقليم من أهم معاقل المذهب الشافعي فى بلاد اليمن .
وجد أتباع المذهب الإسماعيلي فى قيام الدولة الصليحية ذات الإتجاه الإسماعيلي فرصة سانحة لإظهار معتقداتهم الباطنية تحت حماية الدولية الصليحية ، فكانت مدينة ذى جبلة أهم معاقلهم خلال العصر الصليحي ، عملوا فيها على ترسيخ جذور دعوتهم فى أوساط أتباعهم ، وغدت مدينتهم قبلة يقصدها الكثير من أتباع مذهبهم يأخذون فيها علوم المذهب من كبار الدعاة المقيمين فيها أمثال قاضى القضاة “لمك بن مالك الحمادي” الذى كان مؤسسات للمدرسة الإسماعيلية في اليمن فى العصر الصليحي ، كان أبرز تلاميذها ابنه القاضى “يحيى بن لمك” ، و“الداعي الذؤيب بن موسى الوادعي” ، وغيرهم ممن كان لهم دور فى خدمة المذهب الإسماعيلي .
لم تقتصر خدمة المذهب الإسماعيلي على دعاة المذهب فحسب ، وإنما شاركهم فيها حكام الدولة الصليحية ، الذين كانوا يتبوؤون مراتب دينية عالية بداية بالداعي الملك على بن محمد الصليحي الذى كان يقوم بالإشراف على الشئون الدينية للدعوة الإسماعيلية ، ثم بالداعي الملك المكرم أحمد بن على الصليحي ، وانتهاءً بالسيدة الحرة التى تلقبت بلقب حجة الإمام ، وهى من أعلى المراتب الدينية فى الدعوة الإسماعيلية ، وليس أدل على تفانيها فى خدمة مذهبها من تبرعها بما تملك من أموال طائلة أمرت بوضعها بعد موتها تحت تصرف إمامها والقائمين على شئون دعوتها .
كانت العلاقة بين أتباع المذهبين الشافعي والإسماعيلي فى الإقليم تتسم بعداء شديد ، إذ أن أتباع المذهب الشافعي لم يقبلوا بالمعتقدات التي يدين بها أتباع المذهب الإسماعيلي ، لا سيما فيما يتعلق بتآويلهم الباطنية ، التى جعلوا للدين بموجبها ظاهراً لعوام الناس ، وباطناً مقصور فهمه على إمامهم ومن رضيه من خاصة مذهبهم ، فى حين كان علماء الشافعية يرون أن الدين ظاهر لا باطن فيه وأنه متاح لجميع الناس ، فلا واسطة بين الخالق والمخلوق ، وعليه كانت الهوة واسعة بين الطرفين ، وكان كلاً منهما يرى أن الآخر خارج عن الملة على ضوء معتقده .
وعلى الرغم من انتماء الحكام الصليحيين إلى المذهب الإسماعيلي ، إلا أنهم كانوا أميل إلى الاعتدال فى تعاملهم مع رعاياهم أتباع المذهب السني ، ولم يظهر ما يدل على تعصب مذهبي ، إذ كانوا يحرصون على الحفاظ على مملكتهم واستقرار الأوضاع فيها ، لا سيما وأن اتباع المذهب السني يشكلون أغلب سكانها ، لذلك كانوا يسعون إلى تحسين علاقاتهم بكبار علماء المذهب السنى واسترضائهم ، كما كانوا يحرصون على حل ما يحدث من خلاف بأفضل السبل ، كما حدث فى تعامل السيدة الحرة مع ثورة الفقهاء فى حصن التعكر .
كان لعلماء الإقليم العديد من الإسهامات العلمية فى مجالات العلوم الشرعية ، وعلوم اللغة العربية ، والتاريخ وعلم الكلام ، إلا أن جل اهتمام أولئك العلماء كان منصباً على المجالات الشرعية أكثر من غيرها ، وكان ذلك على حساب بقية أنواع العلوم ، لا سيما التطبيقية منها ، في حين حظيت بعض العلوم الأخرى كالعربية والتاريخ وعلم الكلام بنصيب من ذلك الاهتمام .
ظهر اهتمام أهل اليمن بعلم الحديث فى فترة مبكرة ؛ فكانوا سباقين إلى التأليف فيه ، لذلك حرص أغلب أئمة الحديث على الارتحال إليه والأخذ عن كبار علمائه ، واستمر هذا الاهتمام بعلم الحديث خلال فترة الدراسة ، حيث برز فى إقليم جبلة العديد من المحدثين ، غير أن مؤلفاتهم كانت معدودة ، وربما يرجع السبب فى ذلك إلى اكتفائهم بتدريس أمهات كتب الحديث المتداولة بينهم فى ذلك الوقت .
حظى علم الفقه وأصوله بعناية كبيرة من علماء الإقليم وطلابه ، واستأثر بأغلب اهتمامهم ؛ فكانوا يحرصون على اقتناء أمهات الكتب الفقهية ، لا سيما كتب “الإمام الشيرازي” ، وأهمها “كتاب المهذب” الذى تفرد باهتمام العلماء وطلاب العلم حتى ظهور كتاب “البيان” فى الفقه الشافعي للإمام يحيي العمراني الذى كان مع المذهب من أهم المراجع الفقهية للعلماء وطلاب العلم خلال فترة الدراسة وما بعدها ، كما وجدت إلى جانب كتاب العمراني العديد من المؤلفات الفقهية الأخرى لعلماء الإقليم ، وإن لم ترق إلى مستوى كتاب العمراني ، إلا أنها شكلت تراثاً فقهياً استفاد منه كثير من الدارسين .
كانت أبرز المصنفات الفقهية فى مجال الفرائض كتاب “الكافي فى الفرائض” للفقيه “الفرضى إسحاق بن يوسف الصردفي” ، الذى استغنى به طلاب العلم عما سبق من كتب فى هذا المجال ، وكان كتاب “الصردفي” وكتاب “البيـان” للعمراني أبرز المؤلفات العلمية لعلماء الإقليم والتي لقيت رواجاً كبيراً فى بلاد اليمن وخارجها .
اهتم علماء الإقليم بعلوم اللغة العربية ، وبرز منهم عدد من أئمة النحو واللغة فى بلاد اليمن كالحسن بن أبى عباد وابن أخيه إبراهيم فى النحو ، وعيسى وإسماعيل إبنا “إبراهيم الربعي” فى مجال اللغة ، وكان لهؤلاء أعمالاً متميزة استحسنها العلماء وطلاب العلم وأقبلوا على دراستها لفترات طويلة .
ازدهرت الحياة الأدبية خلال العهد الصليحي نتيجة عوامل عدة منها : تشجيع الحكام الصليحيين الذين كان الشعر والأدب من الوسائل الهامة التى اعتمدوا عليها فى محاربة خصومهم والدعاية لمذهبهم . وقد برز عدد من الشعراء الأدباء أصحاب الدواوين ، كما كان هناك العديد من الإسهامات الشعرية للحكام والعلماء ، وإن لم ترق إسهاماتهم تلك إلى المستوى الأدبى للشعراء الأدباء ، على أن ما يميز شعر العلماء عن غيره اتسامه بالبساطة والواقعية والاستقامة .
يظهر بوضوح مدى تأثر الأدب الصليحي بمثيله الفاطمي من خلال عدد من الكتابات النثرية التى أثرت عن تلك الفترة ، كاشتراكهم فى كتابة المقدمات المسجعة واقتباسهم آيات من القرآن الكريم إلى غير ذلك من صور التأثر الأدبي .
يرجع اهتمام أهل اليمن بالكتابة التاريخية إلى فترة ما قبل الإسلام ، ثم أخذت تلك الكتابة تتطور مع مرور الزمن ، فظهرت العديد من المصنفات التاريخية الهامة ، وخلال فترة الدراسة ظهر عدد من العلماء والمؤرخين تناولوا فى كتاباتهم عددا من مجالات الكتابة التاريخية كالسير والتاريخ العام والطبقات .
شكل الخلاف المذهبي فى الإقليم مادة هامة فى كتابات علماء الكلام الذين وظفوا طاقاتهم فى سبيل الدفاع عن آرائهم ومعتقداتهم وإظهار الآخرين بأنهم أضعف حجة منهم، وقد أثرت تلك المؤلفات الكلامية المكتبة اليمنية فى الجانب الفلسفي .